اعمدة طريق الشعب

فاجعة «اليرموك»:النظام مُدان / ياسر السالم

ويحدث أن تستيقظ صباحاً، فتختنق بنشرة الأخبار: مصرع 12 طفلاً رضيعاً في حريق بمستشفى اليرموك غربي بغداد.
وإذا كان «تماساً كهربائياً» تسبب في نشوب الحريق، فمن هو المقصر، ومن يجب أن يُتهم ليحاسب؟ وسط تزاحم أسئلة من هذا النوع، ثمة إجابة وحيدة مؤكدة: المتهم هو النظام السياسي برمته، وما عداه تفاصيل لن تمنع وقوع الفاجعة مجدداً.
فالمستشفى ليست مؤسسة طبية وحسب، إنها كيان إداري، وبنية قانونية متكاملة؛ «كيان يُقرر ويَحكُم ويُنفذ»، كما يقول ميشيل فوكو.
المستشفى أيضا، وجه آخر للنظام السياسي في الدولة، كونها في الأساس-تاريخياً، رغبة سياسية في القضاء على أحد أشكال البؤس والفوضى الاجتماعية التي تعيق النظام: الأمراض والأوبئة.
وعبر تطورها تاريخياً، صارت المؤسسات الصحية جزءاً من بنية النظام المؤسسي للدولة، وعبرها تقاس جودة الأنظمة السياسية ورفاه المجتمعات.
لذلك، ليس الدافع الإغاثي-الإنساني وحده الذي ساهم في تطور الأنظمة الصحية في بلدان العالم، رغم رواج هذا الفهم؛ بل ثمة دافعٌ سياسي أيضاً، هو المسؤول عن تطور النظام الصحي أو تخلفه.
وفق هذا التصور، نكون متأكدين من إدانة النظام السياسي في العراق، بسبب جريمة مصرع الأطفال في مستشفى اليرموك.
فمهما كانت نتائج التحقيق، وأيا كان السبب أو الشخوص المتهمين، تبقى الحقيقة الماثلة أن الإهمال والفساد وغياب الرقابة..ألخ، وكل «بلاوي» نظام المحاصصة، تمثل الأسباب الفعلية.
ففي المستشفى ذاته، كانت ثمة دلائل على وقوع كارثة، لم يجر الالتفات لها. فيوم الخميس الماضي، انتشرت صورة على «فيسبوك» لأطباء يجرون عملية جراحية على ضوء الموبايل (الفلاش). ويوم السبت، صور أخرى نُشرت تبين جلوس المراجعين على الأرض، وتعطل الحمامات والمصاعد. وقبل ساعات من نشوب الحريق، أخرج المرضى إلى الهواء الطلق، بسبب تعطل مكيفات الهواء وعدم صيانتها.
والحال أن هذه الوقائع ليست محصورة في مستشفى واحد ببغداد، بل هي وقائع يومية شائعة في كل مستشفيات البلاد.
ومع غياب العلاجات والأجهزة الطبية الأساسية وتهالك البنى التحتية بسبب الأزمة الاقتصادية، ونقص الكفاءات الطبية بسبب الوضع الأمني المتدهور، يُغيب الدافع الإنساني (الطبي) للمؤسسة الصحية، ويبقى الدافع السياسي، من حيث أنها إحدى مؤسسات النظام، بل وأحد أبشع وجوهه الخرِبة.