اعمدة طريق الشعب

قوة التيار المدني في تنوعه / جاسم الحلفي

عديدة هي المصطلحات السياسية التي استخدمت عند الكتابة عن حركة الاحتجاج، والتي استخدمت خطأ او في غير محلها، مثل: الانشقاق، الانحراف، التحالف، وغير ذلك. ومما يؤسف له ان سوء الفهم والجهل ليسا وحدهما ما يدفع الى التباس المفاهيم، وانما هي محاولات متعمدة يبذلها رموز الفساد والطائفية، عبر اعلامهم وتوابعهم المستنفرين لحماية المحاصصة والفساد. ذلك ان محاولة اضعاف حركة الاحتجاج وتشويهها هي من بين استراتيجيات المتنفذين، زعماء المحاصصة والفساد.
وقبل التطرق الى مصطلح ومفهوم الانشقاق، الذي اطلق على كل تباين او اختلاف في التصورات واساليب العمل في الحركة الاحتجاجية، التي تخوض كفاحا متواصلا في ظل ظروف معقدة ومتشابكة وحساسة .. قبل ذلك نود ان نبين ان هذا المفهوم تم استخدمه كثيراً في الادب السياسي الثوري، خاصة بعد الحقبة الستالينية، عند الاحزاب الشيوعية والثورية. واصبح شائعا عند فصائل المقاومة الفلسطينية في حقبة السبعينات، حين غدا الانشقاق فيها من الاخبار المألوفة، حتى ان اي منظمة منها لم تتعرض الى انشقاق واحد، بل اصبحت الانشقاقات متوالية مستمرة.
الانشقاق يعني حدوث انقسام في اطار التنظيم، وهو يحدث عادة عندما تحصل اختلافات فكرية بين أعضاء الحزب أو المنظومة الواحدة، او عندما ينشق قيادي طمعا في الصدارة التي لا يتمكن منها بالطرق التنظيمية الطبيعية.
لكن للاسف استخدم هذا المفهوم في غير محله، عند الحديث عن حركة الاحتجاج. فحركة الاحتجاج ليست منظمة ثورية او حزبا سياسيا، ولا هي منظمة مجتمع مدني. حركة الاحتجاج تقع ضمن مفهوم الحركة الاجتماعية، ذات التنظيم الافقي المفتوح لمشاركة أي مواطن، وليست فيها عضوية ثابتة. فحجمها وزخمها يصعدان ويهبطان تبعا لعوامل عديدة، لا علاقة لها بالعوامل التي تؤثر في توسع عضوية الحزب او تقلصها. كما ان انشطة هذه الحركة لا يمكن النظر اليها كما الى نشاط منظمة مجتمع مدني، تنفذ مشروعا محددا ومعينا. لهذا فان لكل من الحزب ومنظمة المجتمع المدني من جانب، وحركة الاحتجاج من جانب آخر، مفهومه الخاص. مثلما ان لكل منها طبيعته الخاصة، ونظامه وسياقاته ومهماته. وليس من الصحيح الخلط بينها.
وقد لاحظنا في الآونة الاخيرة، تداول الكلام عن «انشقاق التيار المدني» على نحو واسع. وكأن التيار المدني حزب او تنظيم محدد العضوية، له قواعده الثابتة وايديولوجيته الصارمة، وقيادته الموحدة، وسياسته الخاصة. ويتناسى اصحاب هذا الكلام ان التيار المدني، لغاية هذه اللحظة، هو اتجاه ضمن الرأي العام، يضم منظمات مجتمع مدني، وناشطين مدنيين، واحزاب علمانية، وشخصيات اكاديمية واجتماعية وسياسية و ثقافية. اتجاه عام لم تتمكن قواه الاساسية هذه من ايجاد اطار معين له. وهذا هو التحدي الذي يواجه مستقبله السياسي. فهو لغاية الان لم يؤطر في تنظيم معين، وقد يصح القول بصيغة متفائلة، ان اطاره السياسي في طور التبلور، وان اتجاهاته التنظيمية في طور التكوين.
لقد حصل وسيحصل تباين واختلاف في اطار الحركة الاحتجاجية، كذلك في الاطار الواسع للتيار المدني، بشأن المطالب والاولويات والعلاقات واساليب العمل وغيرها. وهذا امر طبيعي جدا، بل وظاهرة صحية، لا تفت من نشاط حركة الاحتجاج، ولا توهن التيار المدني او تقلل من اندفاعه وسعيه لبناء الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعي. دولة الانسان والقانون والمؤسسات والضمانات الاجتماعية والصحية والتعليمية. الدولة التي تؤمن الحقوق وتصون الحريات وترعى الضمانات، وتحترم كرامة الانسان.
ان قوة التيار المدني تكمن في تنوعه، ووضوح رؤيته، وشدة عزمه.