اعمدة طريق الشعب

ثروتنا السمكية .. الى أين ؟! / عبد السادة البصري

قبل يومين دعيتُ الى وجبة غداء مع أصدقائي إبراهيم الخياط، علي الفواز، حسين الجاف، رياض الغريب، عمار المسعودي، الذين كانوا متواجدين في البصرة لحل أزمة اتحاد أدباء المحافظة. وفي مطعم الأسماك طلب منا العامل أن نذهب معه الى الحوض لاختيار السمك الذي نرغب بشوائه. ووقفت عند الحوض وحال رؤيتي للأسماك وهي (تلبط) وتسبح، رحلتُ بذاكرتي حيث ستينات وسبعينات القرن الماضي، حينما كانت قريتنا الغافية عند تخوم البحر تنام وتصحو على صوت البحارة وهدير محركات (اللنجات) والبواخر الكبيرة التي تمخر الشط حاملة النفط والبضائع.
كان البحارة الذين يزخر بهم القضاء ــ اقصد قضاء الفاو ــ من أقصى جنوبه وشماله والزوارق الكبيرة والصغيرة منتشرة عند أرصفة المرسى وفي الأنهار ووسط الشط. كان البحارة يستعدون للسفر في رحلة الصيد التي تستغرق أسبوعا أو أكثر حيث يصلون الى عمق الخليج العربي ليجلبوا لنا أنواعاً كثيرة من الأسماك (زبيدي، صبور ، هامور ، ضلعة ، نويبي ، روبيان ، شانك ....الخ).
كنا نحن الصغار ننتظر قدومهم عند الشواطئ وعلى جرف النهر لنساعدهم بنقل السمك وبيعه وكذلك توزيع بعضه على بيوت الفقراء، حيث كان الناس ينعمون بخير وفير ولم يشعروا بجوع أبدا. فالأسماك البحرية بأنواعها متوفرة حيث يجلبها البحارة ، والنهرية بأنواعها متوفرة أيضا حيث يجلبها الصيادون الذين يصطادون بالشباك والصنارة!
ـــ أستاذ.. أستاذ ..
ـــ نعم ..
ـــ أي سمكة تريدونها ..؟! تراك سرحتَ بعيدا ؟!!
اخترت السمكتين وعدت الى مكاني لأحدث أصدقائي عن كل ما تذكرته في سرحتي ...
اليوم أسماكنا قليلة جداً، بسبب شحة الصيد عبر مياه الخليج ، وعدم الاهتمام بالصيادين والبحارة وقلة دعمهم ، إضافة لما يلاقونه من مضايقات ومنع من قبل دوريات الدول المجاورة، تصل الى حد اعتقالهم وضربهم ورمي صيدهم في البحر !!
علينا أن نفكر جديا بكيفية المحافظة على ثروتنا السمكية التي تعتبر من مصادر الاقتصاد الوطني، من خلال دعم الصيادين والاهتمام بهم، وعقد اتفاقيات مع الدول المجاورة بعدم التعرض لهم وإعطائهم الحرية في الصيد، وإيجاد سبل كفيلة لزيادة بحيرات تربية الأسماك، وتحديد نوعية الصيد، ومنع الصيد بالسموم والكهرباء ــ وبالأخص في مناطق الاهوار. كذلك تحديد فترة الصيد بعيدا عن أوقات التكاثر، وتشغيل بواخر الصيد الحكومية لتساعد في تطوير ثروتنا السمكية من خلال الصيد البحري .
كانت أسماكنا تصل الى أغلب دول العالم التي نصدرها اليها، واليوم صرنا من المستوردين للأسماك البحرية. فما علينا سوى النظر بمسؤولية وشعور انتماء حقيقي لهذا الوطن، وتنمية ثرواته السمكية وغيرها .