اعمدة طريق الشعب

متى نتخلص من الازدواجية في الخطاب السياسي؟ / مرتضى عبد الحميد

ثمة قول مأثور او حكمة لا شك في انها عميقة المعنى، وجربت لسنوات طويلة من قبل الشرطة والمحققين الجنائيين هي ان اللص او المجرم كثيرا ما يظل يدور حول المكان الذي ارتكب فيه جريمته فيقع اغلب الاحيان في شر اعماله ويلقى القبض عليه لينال جزاءه العادل.
فاذا انتقلنا من الجانب المادي الى المعنوي، سنجد ان الكثيرين يلحون بمناسبة وبدونها على تكرار قول معين، سرعان ما تكتشف انه يعاني من نقص فيه، واحيانا يردفه باغلظ الايمان ليثبت للسامع انه صادق في قوله وان كان اكذب من أبي مرة (الشيطان). فالغبي يتحدث كثيرا عن الذكاء وكيف انه كان الاول في الدراسة، والمطعون في شرفه لا يمل من تكرار كلمة الشرف وملحقاتها، وكذلك الحرامي لا يتحدث الا عن النزاهة ونظافة اليد، وهكذا تسير الامور.
لا شك ان الكثير من مسؤولينا والمتنفذين في ربوع دولتنا اللادولة استطاعوا بـ «شطارتهم « تكديس الملايين بل الميارات من المال العام ومن السحت الحرام. بأساليب بارعة تعكس تمرسهم في هذه المهنة وبطريقة لا تترك اثراً على افعالهم الدنيئة، او هكذا يتصورون ولذلك تراهم يكثرون من تغليف اقوالهم وتصريحاتهم بدثار سميك من العبارات الدينية، خلافاً لمعانيها الحقيقية متناسين انه حتى اللص يقول بسم الله عندما يدخل المفتاح في ثقب الخزانة التي يريد سرقتها حسب تعبير «فولتير».
وفي خط مواز لهذا الدجل ترى الواحد منهم يرفع عقيرته بالصراخ، ويسعى الى ان يكون نجماً في الفضائيات مطالباً بمحاسبة الفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة من خزينة الدولة او من الرشى التي حصلوا عليها في المقاولات والصفقات المشبوهة ولا يكتفي بذلك، بل يطالب هيئة النزاهة ولجنتها البرلمانية بأن تشمرا عن سواعدهما لملاحقة هؤلاء السراق، وعدم التهاون معهم لأن في ذلك خيانة للوطن وخذلان للشعب. لكن حقيقته شيء آخر تماماً، فهو لا يترك فرصة مهما كانت ضئيلة إلا واستغلها للنهب والسلب، والاستيلاء على قوت الفقراء والمعدمين ويتمادى اكثر في توزيع الاموال يمنة ويسرة على المريدين والمصفقين ومن يسيل لعابهم لمجرد رؤية الاخضر او حتى العملة الوطنية.
انها المحنة التي ما بعدها محنة لا سيما اذا كان من يلجأ اليها يتحمل المسؤولية الاولى في خراب البلد وتدميره وتحويله الى مكب للنفايات سواء كانت فكرية او طائفية او مادية.
بيد ان الكذب حبله قصير كما تؤكد الامثال وتجارب الشعوب وساعتها سوف يجد هذا الدعي وامثاله ان الشعب له بالمرصاد وسوف لن يتساهل معه طالما هو مصر على الاستمرار في هذا النهج المخادع والمدمر.
كما ان الحراك الجماهيري والمشاركين فيه ببسالتهم المعهودة وتشخيصاتهم الدقيقة سوف يستمرون في المطالبة باصلاح القضاء والهيئات المستقلة وكل مؤسسات الدولة ليكون بالمستطاع انقاذ سفينة العراق واخراجها من المستنقع الآسن التي هي فيه الآن الى رحاب البحار الهادئة والنظيفة وبالتالي الوصول الى بر الامان والعيش الرغيد.