اعمدة طريق الشعب

مدخل شخصي الى شأن عام / جاسم الحلفي

منذ تعرفت على الصديق الشاعر احمد عبد الحسين، وانا لا الحظ عنده ترددا في امر او حيرة في موقف. فهو سريع التفاعل مع الاحداث، وقد يأخذ عليه البعض السرعة بالذات التي تطبع ردود فعله. لكنه، مثل أي شاعر، حساس وسريع في استجابته، ويتعاطى مع الواقعة او الحدث في الحال.
لذلك فوجئت حين وجدته هذه المرة حائرا مترددا في اتخاذ القرار. وله الحق في ذلك، فالامر بالنسبة اليه شخصي، وقد يتخذ البعض منه حجة للتعرض اليه. لذلك حسبت تردده هذه المرة تصرفا محمودا ينسجم مع خصاله الجميلة.
الأمر يتعلق بالقرار المطلوب منه في شأن العودة الى عمله في شبكة الاعلام العراقية، وهو العمل الذي فصل منه قبل خمسة اعوام، عقابا له على اشتراكه في تظاهرات ٢٥ شباط ٢٠١١. وبالتحديد إثر نشره مقالة في جريدة «الصباح»، فضح فيها توزيع بطانيات كرشوة للناخبين ولشراء اصواتهم.
ولم يكن قطع الرزق هذا العقاب الوحيد الذي تعرض له بسبب إسهامه في التظاهر. فقد تكرر ذلك في ما بعد، وفي المرة الاخيرة قبل ثمانية اشهر، حينما اضطر للاستقالة من عمله في «قرطاس نيوز» وبقي عاطلا عن العمل حتى اليوم.
وكان صدور قانون اعادة المفصولين السياسيين، رقم (24) لسنة 2005، قد طوى صفحة غير انسانية لتعامل النظام الدكتاتوري المقبور مع معارضيه، واسدل ستارأ على حقبة دكتاتورية قاسية. كما جاء، في نفس الوقت، بمثابة انهاء لكل السياسات والاجراءات القمعية، التي ادت الى فصل اعداد كبيرة من عمال القطاع العام وموظفي الدولة ومنتسبيها، بسبب مواقفهم من النظام.
لكن وللأسف الشديد، يبدو جليا ان النظام الحالي استل من سلوكيات النظام البائد سياسات وإجراءات مدانة ومرفوضة. وكلنا يتذكر كيف مورس الترهيب والترغيب في اوقات معينة، او على الاقل جرى التلويح بهما للتخويف ولفرض الاذعان. فتعرض الى المضايقة عدد غير قليل ممن اسهموا في حركة الاحتجاج التي انطلقت في شباط 2011. واتخذت ضدهم اجراءات غير قانونية وغير دستورية كثيرة، لم تجر مجابهتها بالشكل المطلوب، لكنها بقيت وصمة عار تلاحق منفذيها، الذين ظلوا ينهلون من تراث النظام المقبور بهدف تثبيت مواقعهم في السطلة، باساليب بعيدة تماما عن الديمقراطية.
وان من يعتمد تلك الاجراءات، او يلوح بها من طرف خفي، انما يعارض بطبيعة الحال الدستور العراقي الذي نص في الفقرة (أ‌) من مادته ( 22 ) على أن « العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة «.
من هذه الخلفية القانونية انظر الى موضوع عودة «ابو ود» الى عمله، الى جانب ايماني بضرورة ان يحتل الاكفاء المخلصون لوطنهم مواقع العمل المؤثرة، وان يشغل كل مواطن حسب خبرته وكفاءته موقعه المناسب في دوائر الدولة ومفاصلها، بعيدا عن المحاباة والطائفية والمناطقية والحزبية الضيقة. وهذا ما عكسته ايضا آراء الاصدقاء الاحبة، الذين حرصت على استشارتهم في الامر قبل ان اقول رأيي كاملا.
ان العودة الى العمل احقاق لحق، وفي نفس الوقت ادانة لأساليب الضغط والاقصاء ومحاربة المواطن في رزقه، وان الزمن الذي كان يتحكم فيه الحاكم والمسؤول في رقاب الناس وحياتهم ومعيشتهم، قد ولى دون رجعة.
كما ان مؤسسات الدولة ليست اقطاعية لشخص يتحكم بها، مهما كان منصب هذا الشخص.
وفي آخر المطاف لا يصح الا الصحيح.