اعمدة طريق الشعب

أسبوع من ايلول / قيس قاسم العجرش

في أيلول من كل عام تلتئم الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية.
وهذه في العادة تكون فرصة لحكومات وزعماء العالم لأن يلتقوا وليجتمعوا بلا تكّلف أو ضجيج إعلامي. وهي فرصة ايضاً للولايات المتحدة ان تراقب هذا الحراك وتمرر رسائلها الى الجميع وهم على أرضها. خاصة الى أولئك الذين لا يمكن لمسؤوليها أن يلتقوا علانية معهم كأصحاب قرار في الحكومات التي تكون على عداء علني مع واشنطن.
ان أكثر شيء يخشاه زعماء العالم الثالث هو استخدام الولايات المتحدة القوّة العسكرية. وهم يعلمون بالخبرة والمراقبة الطويلة والهاجس الأمني الذي يستغرقهم، أن استخدام الولايات المتحدة ذراعها العسكرية (فضلاً عن الذراع الاقتصادية أو السياسية) سيكون في العادة مصحوباً بقصور في التصورات، وسيكون استخداماً أهوجاً منفلتاً، يضرب بقسوة وإيلام في معظم الأحيان. هم يعرفون ذلك ويتفادونه بشتى الوسائل، ومنها وسائلهم غير العسكرية المبنية على قض مضاجع مصالح الولايات المتحدة. بل ويتعدى ذلك الى زعزعة استقرار أحلافها مع حكومات أخرى وقد يتعداه الى زعزعة استقرار كل من له علاقة بأمريكا. وهذا يعني انتشاراً للجهود المناهضة للولايات المتحدة في كل مكان من العالم. وهو الأمر الذي قلما تحسب الحكومات الامريكية حسابه وقلما تصل فيها التصورات الى أن مصالح حلفائها ستكون هي الهدف بدلاً من مصالحها الذاتية.
أنقل هنا رأياً لأحد السفراء الأوروبيين الذين عملوا في العراق بعد عام 2003، حيث يقول :»إن لعبة الشطرنج تضمن الربح للاعب الأكثر قدرة على التخيل والتصوّر. وكلما ازداد عدد النقلات التي يمكن أن تتخيل خصمك سيأتي بها رداً على نقلاتك، كلما كان الفوز يسيراً بالنسبة لك. وبهذا القياس، لو كانت الولايات المتحدة تلعب الشطرنج ضد دول العالم، لكانت أسوأ لاعب في التاريخ!».
لكن واشنطن دأبت على التخويف وارسال رسائل الرعب (حتى عبر منافذها الدبلوماسية). والخوف حسبما يقول صاحبنا السفير قد يدفع الخائفين الى ارتكاب حماقات يصعب رتقها في ما بعد. وضرب لي أمثلة بنظام الأسد ونظام مبارك. لحظتها ستكون واشنطن واقفة أمام فوضى أصعب بكثير مما توقعت، وكان سيبدو الأمر أكثر سهولة لو انها بالفعل استعارت الآليات الدبلوماسية لأجل علاقات سوية سلمية متكافئة.
لكن أيلول واسبوعه الاممي يبدو انه ترك القليل جداً لواشنطن كي تتعلمه في السياسة والدبلوماسية، قبل التلويح بالحرب واخافة الآخرين، حتى المجرمين منهم.