اعمدة طريق الشعب

عنف بلا فاعل ! / ياسر السالم

المشهد المسرب لنواب واقفين على طاولات ومقاعد قاعة المجلس وهم يتبادلون الشتائم واللكمات، يُذكّر بمشهد دخول المحتجين لمبنى المجلس في نيسان الماضي. وبينما قُبّح السابق بوصفه عنفاً وتخريباً للممتلكات العامة وتعدياً على هيبة الدولة، مر المشهد الجديد كأنه فعل طبيعي، رغم أنه يتكرر بين حين وآخر.
هذه المقاربة بين الفعلين لن ترضي أرباب السلطة، ومنهم النواب تحديداً، على اعتبار أن قبة البرلمان هي مكانهم الرسمي، بينما المكان الطبيعي للناس هو خارج أسوار المنطقة الخضراء: في جحيم العوز؛ العوز لكل شيء بدءاً من لقمة العيش وصولاً إلى الخدمات.
وإذا كان لفعل المحتجين ما يبرره: عدم الاستجابة لمطالب شعبية مشروعة ومعترف بها من قبل السلطة السياسية.. فما الذي يبرر لفعل النواب؟!
هذه التفصيلة يمكن تجاوزها. فلكمات النواب المتبادلة، هينة أمام مشهد سياسي ضاج بالصراعات التي تشكل في تراكمها لكمات سياسية عنيفة توجه إلى المجتمع.
هكذا، لم يعد الصراع بين القوى الحاكمة من أجل هذه القضية أو تلك، ومصلحة هذا الطرف ورغبة ذاك، مجرد صراع سياسي، إنما هو عنف سياسي موجه إلى عامة الشعب.
وإذْ اقتصرت الأدبيات السياسية على تعريف العنف السياسي بأنه «استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها، لتحقيق أهداف سياسية»، فان من الممكن القول أن القوة ليست وحدها دلالة على العنف.
فعندما يعيش ملايين العراقيين في مخيمات النازحين، دون توفير أدنى مقومات العيش البسيط لهم، فهذا عنف في حقهم. وعندما لا يلقى ملايين الشباب فرصاً للعمل، ويبقون يصارعون الحياة ليؤمنوا عيشهم، فهذا عنف أيضاً. وللعنف أوجه أخرى عديدة: أزمة الكهرباء، نقص الخدمات، أزمة السكن..الخ.
ويتجلى العنف ويتخذ شكله السياسي، حينما تنشغل القوى الممسكة بالسلطة في مصارعة بعضها من اجل مصالحها، وتهمل تفجر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. ويصبح العنف إزاء المجتمع مقصوداً ومضاعفاً، حينما تُبقي تلك القوى على أسباب تنامي الأزمات: الفساد والفشل في الإدارة وغيرهما.
واليوم، لم يعد الصراع السياسي مجرد منازلة بين أطراف تريد تحقيق النفوذ والاستئثار، بل صراع مؤداه تعطيل أدوات الحياة- وحرب الاستجوابات القائمة تحت قبة البرلمان دليل ماثل. وبهذا يتحول الصراع إلى عنف ممنهج يمارسه الحاكمون لاضطهاد شعبهم.
لكن هذا العنف لايجري الاعتراف به، كأنه عنف شرعي! ويراد له أن يبقى بلا فاعل. فهل تمت إدانة أو مجرد محاسبة طرف، طيلة السنوات الماضية؟
وحدهم الناس يدانون بالعنف، إن هم استشاطوا غضبا على من يسلبهم الحياة!