اعمدة طريق الشعب

الطفـكـة / جاسم الحلفي

وقف احد الاعلاميين مساء الاحد الفائت متحديا المتظاهرين بطريقة استفزازية، ان يتوجهوا للتظاهر والاحتجاج أمام بوابة المتحف الوطني للفن الحديث ( قاعة كولبنكيان) في ساحة الطيران بمنطقة الباب الشرقي، حيث تعرّض عمل للنحات خليل خميس، يمثل الفنان الكبير الراحل جواد سليم، الى التحطيم!
ولا اعرف سببا دعا اخانا الاعلامي الى اطلاق تحديه هذا، وما اذا كانت غايته إحراج ابطال حركة الاحتجاج الذين لم يكفوا عن التظاهر عاما كاملا، بفصوله الاربعة، متحدين كل وسائل الترهيب والترغيب. لكن متظاهري بغداد ليسوا في حاجة الى اطلاق اصواتهم صادحة بالدفاع عن تمثال صاحب «نصب الحرية» لكي يبينوا مدى تقديرهم وحبهم لجواد سليم، وهم الذين لا يحلو لهم الاحتجاج الا تحت اروع نصب انجزه لمسيرة الحرية والانعتاق والعدالة الاجتماعية.
وبعيدا عن الجدل الذي رافق تحطيم التمثال بواسطة بلدوزر حكومي، وبقرار من وزارة الثقافة استند الى «الملاحظات الكثيرة التي أبداها فنانون ومثقفون على العمل الفني، وكونه متواضع جدا ولا يليق بالمكانة التي يحتلها هذا الفنان، إضافة إلى ضيق المكان الذي وضع فيه» كما انه، حسب تصريح الدكتور شفيق المهدي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية في الوزارة, تبقى «مكانة الفنان جواد سليم كبيرة، ويستحق أن يكرم بتمثال يليق بمنجزه وفنه ومهارته، التي لا تزال شاخصة عبر عمله الكبير في ساحة التحرير «نصب الحرية» الذي يعدّ من أهم رموز الحرية والقوة وشاهد على نضال الإنسان لأجل رفض القيود والحصول على حقوقه».
وبعيدا ايضا عن توقيت ازاحة التمثال، والطريقة التي تمت فيها الازاحة – حيث كان بالإمكان الانتظار حتى انجاز النصب الجديد، الذي سيكون وفق التصريح المذكور «على مستوى متكامل من الحرفية والجمالية وبموقع أكثر اتساعاً» .. وكان بالامكان ادارة المسألة بصورة مختلفة، فرفع التمثال كان اجراء خاطئا واستفزازيا، سيما وان هناك حساسية كبيرة إزاء الاعتداء على الثقافة وتهميشها وعدم الاهتمام بها.
بعيدا عن هذا وذاك وغيرهما يلفت الانتباه هذا التصرف من قبل مثقف، كان مفترضا ان يبادر اولا الى التحقق من الامر، خاصة وهو اعلامي عليه التقصي والتأكد من كل معلومة قبل تبنيها. ثم ان من واجبه كمثقف ان يبادر بنفسه الى الدفاع عن الثقافة وما يخصها، دعك عن واجب تبنيه ودفاعه عن القضايا العامة الاخرى.
لكنه فاجأ شابا متظاهرا حاججه ودعاه الى ان يبادر هو ذاته الى الاحتجاج على ما وقع، كي يحفز الآخرين على ان يحذو حذوه ويتبنوا موقفه ويلتحقوا به .. فاجأه بالرد قائلا: انا صاحب قلم حر، وقد أديت واجبي بما قلته!
.. وكأن صاحب القلم الحر سيضيّع قلمه الثمين اذا ما رفع صوته محتجا!