اعمدة طريق الشعب

تحرير.. ام كسر عظم ! / محمد عبد الرحمن

يوم تحرير مدن محافظة نينوى ومنها وفي مقدمتها الموصل، يبدو قريبا رغم الجدل الدائر بين اطراف عدة ، داخلية وخارجية، بشأن من يشارك فيه ، وعن مستقبل المحافظة ، وهل ستبقى واحدة ام تغدو محافظات عدة، وهي التي تميزت على مدى قرون باطيافها المتعددة ؟
وفي زحمة التصريحات والتصريحات المضادة، يبدو البعض غير مكترث بمصير الالاف من ابناء المحافظة حين تحل ساحة الحسم ، ولا في السؤال عما تم اعداده وتوفيره من مأوى وغذاء ورعاية لمن يتوقع ان ينزحوا منها، وهم في جميع الاحوال باعداد كبيرة كما تقول الامم المتحدة. وفي ذلك بدت المنظمة كما لو انها الجهة الوحيدة المعنية بهذا الجانب الانساني .
ثم ان هذا البعض غير المكترث لا يزال بعيدا ، ايضا ، عن وضع الخطط وتوفير الاموال لاطلاق حملة اعمار سريعة، حال خلاص مدن المحافظة من داعش وقبضته الغاشمة. وان يكون في ذلك استخلاص لدرس وتجربة حصلت مع مدن اخرى تحررت من الارهاب، وما زالت تعاني وتتصاعد شكوى سكانها من انعدام الخدمات الاساسية ، بل حتى من عدم رفع الالغام في بعض المناطق بصورة كاملة، لتستمر في حصد ارواح الناس ، فيما القذائف تمطرهم، صباح مساء ، وخاصة في الجزر التي يواصل داعش بسط سيطرته عليها .
هذا البعض لا يخطط لشيء من ذلك ، لان همه الاول والاخير ينحصر في كيفية ضمان مصالحه وتهيئة الظروف لتولى مسؤولية موقع ما ، ولا ضير في تولى السلطة ولو في شارع واحد !
مع اقتراب معركة التحرير يتكشف العديد من الاوراق، ويسقط الكثير من الاقنعة، وتتضح حقيقة المواقف رغم منمق الكلام ومعسوله والتظاهر بالحرص على الوحدة والسلام والتآخي. فهناك من وجدها فرصة سانحة لفرض امر واقع بغض النظر عن الدستور وآلياته ، وعن رأي المواطنين بعد التحرير واستقرار الاوضاع وتهيئة الظروف المناسبة لهم ليختاروا بحرية كاملة ويقرروا مصيرهم ، بعيدا عن الضغوط وقرقعة السلاح والاستعانة بقوى خارجية .
وهناك من يحرص ارتباطا بالانتخابات القادمة على ان لا يضيع الفرصة طامعا في زيادة رصيده الانتخابي ، وعينه على مواقع القرار الاولى في السلطة ، حتى لو جاء ذلك على حساب الدولة وهيبتها وتمكين مؤسساتها من القيام بدورها ومسؤوليتها، وخاصة الجيش والمؤسسات الامنية الاخرى . فالامر سيان ان ضعف الجيش وتدهور ما دام هو ومن معه يحرزون التقدم ويبنون «تشكيلاتهم العسكرية « ومن اموال الدولة. المهم هو، وما يخطط لهذه « التشكيلات « من ادوار مستقبلية .
ولا نعرف في هذه اللحظات بالضبط مشاعر من سلم مدن محافظة نينوى على طبق من ذهب الى داعش، هل سيفرح أم يحزن ؟ ولكن في جميع الاحوال نقدر ان عقدة الذنب ستظل تلاحقه ، وسيظل مطالبا ان يدفع الثمن جراء مواقفه وقراراته التي فرطت في ساعات وايام معدودة بثلث اراضي وطننا. فلا بد ان تبقى المطالبة قائمة والسؤال دائما عن مصير التقرير البرلماني حول سقوط الموصل ، وان يبدأ القضاء النظر في هذا التقرير المحال اليه. وهنا يأتي دور الادعاء العام في تحريك الموضوع ، بدعم واسناد من الحكومة التي يكتنف الغموض موقفها منه.
وفي هذه الاثناء تعود تركيا لتزيد الامر تعقيدا ولتكشر عن انيابها من جديد، يراودها حلمها العثماني القديم بـ « ولاية الموصل « ، مستغلة الوضع العراقي الهش ، وتقاطع الرؤى وخلافات الكتل السياسية ، لتكون لها حصة في الكعكة العراقية ، وهي التي اصرت حتى الان على بقاء قواتها في بعشيقة ، ويبدو الان ان مهمة هذه القوات ، وبعد تصريحات اردوغان ، اصبحت واضحة !
ووسط هذه المعمعة والسجال الدائر والتدخلات الدولية ، يبقى موقف الحكومة في ما يطرح من مشاريع وخطط ساكنا ، غير معلن ، فيما حرص وزير الخارجية على معالجة جانب واحد من الموضوع في ندوة له بلندن ، تخص مشاركة الحشد الشعبي من عدمها ، وكأنه والحكومة ورئيسها غير معنيين بالقضايا الاخرى ذات العلاقة ، فهل احيلت الى متحدثين اخرين بالنيابة ؟!
انه خلط عجيب غريب للاوراق ، وكأنها لم تعد معركة لتحرير الموصل ومدن المحافظة الاخرى وتخليصها من ارهاب داعش ، فالاطراف المتصارعة الداخلية وبدعم اطراف دولية ، تسعى الى جعلها معركة كسر عظم، تنطلق منها لرسم معالم عراق ما بعد داعش!