اعمدة طريق الشعب

الدروس الخصوصية.. أثقلت كاهلنا !! / عبدالسادة البصري

حينما دخلت المدرسة الابتدائية في ستينات القرن الماضي، كان أخي الأكبر قد سبقني بسنوات، وأبناء عمي كذلك. كنت أراقبهم وهم يحضرون واجباتهم البيتية وأقلدهم في كل شيء، حتى تعلمت القراءة والكتابة قبل دخولي المدرسة. كانت مدرستنا (مدرسة الخليج العربي) التي تقع في جنوب الفاو عبارة عن بيت استأجرته مديرية المعارف منذ الخمسينات، وهو يضم ستة صفوف فقط ، وقد بقي كمدرسة لغاية منتصف السبعينات حيث تخرج منه العديد ممن صار لهم دور في المجتمع بعد سنين.
لم يكن وقتها تحضير الواجب او مراجعة الدروس تحت إشراف معلم أو مدرس خصوصي، كنا نراجع دروسنا بأنفسنا ونعمل بنصائح وإرشادات الآباء والأمهات الذين كان أغلبهم أميين. وكنت دائما أحصل على المركز الأول.
أكملت الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ولم أعرف ما هو التدريس الخصوصي أبداً، أعتمدت على نفسي دائما وإذا علقت أية مسألة أرجع الى المدرس ذاته أو الى أحد أقاربي الذين سبقوني في المدرسة. كما كانت هناك دروس إضافية يعطيها لنا المدرسون أيام الجمعة والعطل و قبل وبعد الدوام في بعض الأحيان..
تذكرت سنواتي تلك وأنا استمع لحديث زميلتي الشاعرة ( شذى عسكر ) التي كانت تحدثني عن معاناة زميلاتها مع أبنائهن والمدرسين الخصوصيين. حيث قالت إن إحداهن طلبت أن يؤسسن ( جمعية) بينهن ويكون الدور الأول لها في استلام المبلغ، لأن المدرس الخصوصي لابنها طلب ( مليون دينار). وكانت تقترح ذلك وهي تبكي بحرقة وتقول: ماذا افعل إذا لم يقبل المدرس بأقل من هذا المبلغ؟ وأنا أخاف على ابني من الرسوب والفشل دراسياً!!
ــ يا ألله...أيعقل هذا؟! كيف بنا أن نعيش في مجتمع أصبح الجشع والغش والفساد صفات ملازمة له؟!
كيف نُكَوّن أُسَراً ونحن نعاني من شظف العيش أولاً والأزمات المتكررة والمتنوعة في البلد ثانياً؟!
كيف بأولادنا أن يتعلموا وسط هذا الخراب المتفشي في النفوس والقلوب واحياناً حتى في العقول؟!
تساؤلات كثيرة اشتبكت في مخيلتي وأنا اسمع وأقرأ كل يوم عن ارتفاع أسعار التدريس الخصوصي، وجشع البعض لأقول :
ألا يمكن أن تُحل هذه المعضلة بتوجيه مديريات التربية والمدارس الى الاهتمام الجدي بالتدريس وبالتلاميذ ووضع خطة دراسية متكاملة وجيدة؟!
ألا يمكن تحديد أسعار الدروس الخصوصية مع الاشتراط أن تكون على وفق الحاجة القصوى للطالب والمدرس معاً؟!
مدارسنا الحكومية كثيرة جداً، والأهلية أكثر من استيعاب الرقعة الجغرافية طبعا،لكننا نشكو من احتياج أبنائنا للدروس الخصوصية...لماذا؟ لماذا يحتاج الطالب الى مدرس خصوصي إذا كان التدريس فوق الممتاز، واهتمام الأهل أكبر؟!
لماذا نفكر بالاتفاق مع مدرس خصوصي ونحن نعاني من أزمات مالية تعصف بالبلد وبرواتبنا جميعاً؟
علينا أن نفكر بجدية: كيف يكون التدريس بالمستوى الذي لن يحتاج الطالب بعده الى مدرس خصوصي يثقل كاهل عائلته مادياً؟
وأن نضع الدراسات والخطط الكفيلة بذلك وبالتعاون بين المدارس والأهل حتماً.