اعمدة طريق الشعب

عندما تزدحم الفعاليات المدنية / جاسم الحلفي

لم يكن مهرجان السلام الذي اقيم مساء يوم 22 ايلول 2016، بمناسبة يوم السلام العالمي، الفعالية الوحيدة المبهجة، التي اسعدت القلب. فقد ازدحمت حدائق شهريار وشهرزاد في شارع (ابو نؤاس) بالمشاركين الذي وفدوا الى المكان من جميع مناطق بغداد. حيث وصل عدد الشباب، من كلا الجنسين، الى اكثر من 17000 مشارك، حسب احصاء المنظمين للمهرجان، وهم يحصون بطريقة ذكية ودقيقة الى حد ما. ولم يكن تعدد انشطة واتساع المساهمين فيها، هو الامر الوحيد الذي نال الاعجاب والتقدير، انما العدد الواسع من المتطوعين الذين حرصوا على تنظيم هذه الفعالية الكبيرة، التي تعجز دوائر الحكومة عن تنظيمها، فكيف وهي لم تمول من اي جهة رسمية او شبه رسمية!
أعقب اقامة مهرجان السلام بيوم واحد انطلاق اعمال الموسم الثالث للمنتدى الاجتماعي العراقي، في الفترة الممتدة بين ٢٢ و ٢٤ أيلول ٢٠١٦ ، في موقعين، الاول هو منتدى المسرح في شارع الرشيد، والثاني عند نصب شهريار وشهرزاد في شارع (أبو نؤاس)، وتحت شعار (حقوق وسلام)، الى جانب الشعار الاساسي (عراق آخر ممكن.. عراق السلام وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية).
شارك في المنتدى 70 منظمة وحملة وتجمعاً ونقابة واتحاداً وأسهموا بتنظيم 89 فعالية مختلفة بين ورشة وندوة فكرية وسياسية وثقافية. وبلغ عدد الحضور في اليومين الاولين 570 ناشطاً عدا المنظمين، فيما تجاوز الحضور يوم الاختتام 3000 من الناشطين وما يستهويك ليس ان تكون جزءاً من اكبر حدث اجتماعي عراقي ينظم ذاتيا، ولا كون المنتدى الاجتماعي العراقي اكبر منتدى اجتماعي في الشرق الاوسط وثاني منتدى اجتماعي عربي بعد المنتدى المغربي، فضلاً عن كونه جزءاً من المنتدى الاجتماعي العالمي التي انطلقت انشطته عام ٢٠٠١ تحت شعار « عالم آخر ممكن»، انما ان تكون انت المنظم وانت المساهم وانت المتحدث في آن.
اما الماراثون الذي اقيم ضمن رياضة اللاعنف التي يبشر بها المنتدى، فقد طرز صباح السبت 24 ايلول بلون اصفر اخاذ، هو لون الفانيلات التي ارتداها المتسابقون الذين ركضوا في شارع «ابو نؤاس» ذهابا وايابا في عدد من الركضات المنظمة والمحسوبة الامتار. وكان بحق النشاط الأبرز ضمن انشطة المنتدى، فقد بلغ عدد المشاركين فيه 1500 مشاركاً ومشاركة، ضمنهم 10 ناشطين وناشطات اجانب. مكونين صورة لا مكان للصراع الطائفي فيها.. انما هي رسالة سلام مجتمعي.
وليست هذه الفعاليات الثلاث التي ازدحمت بالحضور وحققت المفاجئات هي الوحيدة. ففي يوم السبت نفسه التأم مؤتمر صناع الرأي الذي نظمه التيار المدني- مستمرون، واقر استراتيجية للحركة الاحتجاجية. وشهد السبت كذلك احتفالية النقابة الوطنية للصحفيين بافتتاح مقرها الجديد، وحفل توقيع ديوان الشاعر الدكتور عارف الساعدي، واحتفاءً في مكان آخر بالشاعر ناظم السماوي، وندوة حول الحريات والحق في التعبير نظمتها شبكة الشباب.
وفيما انت تشهد كل هذا النشاط المدني، الممول ذاتيا، والذي يديره متطوعون، وينظم بعيدا عن السلطة واحزابها، وينشر مفاهيم السلام والتآخي والمحبة والتعايش، تشعر ان البديل عن كل هذا الخراب الذي خلفه الارهاب والمحاصصة وعمّقه الفساد، ينضج على نار هادئة ، وتتيقن ان الضوء في آخر النفق ليس بعيداً.