اعمدة طريق الشعب

زيارة في وقتها / محمد عبد الرحمن

التقييم الموضوعي ، البعيد عن التحزب الضيق والمواقف المسبقة، لا بد ان يقول ان بلدنا يمر بظروف صعبة ومخاضات عسيرة ، وقد تجمعت جملة من العوامل والظروف لتكوّن الصورة الراهنة، التي لا تسر احدا من الحريصين على العراق ومستقبله ، والمتطلعين الى استقراره وامنه وسعادة ورفاه ابنائه .
ومن المنطقي ان الحريصين على ذلك يسعون دوما الى تفكيك هذه العوامل المؤذية والضارة ويسعون الى معالجة اسبابها ودوافعها وتقديم البدائل، اوعلى الاقل - وهذا اضعف الايمان - التوجه الى التخفيف من وطأة تأثيرها املا في ايجاد ظروف انسب للخلاص منها ، والانطلاق نحو آفاق اخرى . هكذا يقول العقل والمنطق السليمان ، وهكذا ينبغي ان يتصرف المسؤولون والسياسيون ممن بيدهم القرار. فسياسة « اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر « ، ايّا كان من ينتهجها ومهما كان لونها وشكلها وطبيعتها ، حمقاء وانانية ومدمرة، وقد عانينا منها وما زلنا .
ولم يعد خافيا ان بلدنا في حالة استعصاء سياسي وازمة عامة شاملة ومركبة ، مسبباتها متعددة ، من بينها التأزم والتشنج في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ، ومسؤولية الطرفين عن عدم الوصول ، عبر الحوار ، الى حلول مرضية ومفيدة تجنب ابناءالاقليم والعراق حالة الجفاء والقطيعة ، وما يمكن ان تخلفه من تأثير مباشر على حياة المواطنين . واكدت مجريات الاحداث ان المواطنين هم المتضررون الاساسيون من هذه الحالة غير الطبيعية ، وذلك ما انعكس جليا في الفترة الاخيرة ، من بين قضايا اخرى ، في عدم دفع رواتب الموظفين والمعلمين في الاقليم.
اضافة الى هذا فان بلدنا وشعبنا في لحظة اشتباك مصيرية مع داعش والارهاب ، كما ان العد التنازلي لمعركة تحرير مدن محافظة نينوى والموصل في المقدمة ، قد بدأ وفقا لما تعلنه المصادر المختلفة ، ومن الصعب التصور ان تجري هذه المعركة بمعزل عن التنسيق والتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ، وبين القوات المسلحة العراقية والتشكيلات المختلفة التي تدعمها ، وقوات البيشمركة. وهذا التنسيق مطلوب ايضا في كركوك وديالى وصلاح الدين لجهة الخلاص من داعش ولحفظ الامن والاستقرار في المناطق المتنازع عليها ، وما يتطلبه ذلك من اجواء سياسية بناءة لتفعيل المادة 140 ذات العلاقة .
لكل هذا ، وغيره ، فان كسرحالة الجمود في العلاقة ، وبغض النظر عن اسبابها ومسؤولية مختلف الاطراف عنها ، يبقى امرا هاما وملحا ، وقد يكون تأخر كثيرا. فتحريك الاجواء والعودة الى الحوار الجاد والمسؤول لمعالجة ما تراكم من مشاكل وما علق من ملفات ، هو حاجة تفرضها الظروف التي يمر بها الاقليم والعراق ككل .
في هذا السياق تأتي اهمية زيارة رئيس اقليم كردستان والوفد المرافق له الى بغداد ، ولقائه مع المسؤولين والقوى والكتل السياسية ، وعودة التواصل بعيدا عن القطيعة والجفاء ، ففي ذلك مصلحة للجميع في لحظة تاريخية حاسمة .
ومن الطبيعي ان لا يروق هذا التطور الجديد في العلاقة للمتربصين والشوفينيين وضيقي الافق ، ممن لهم مصلحة في ادامة التوتر والحؤول دون عودة العلاقة الطبيعية وتعزيزها وتطويرها ، وممن ينظرون إلى الامور عبر موشور مصالحهم الضيقة الانانية. وبالفعل انطلقت الاصوات المشككة ، ووصل الامر ببعضهم ، كما نقلت الوكالات ، ان طالب باصدار مذكرة قبض بحق رئيس الاقليم بتهمة « التخابر مع الاجنبي وتهريب ثروة البلد والتعامل مع الانظمة الارهابية «ّ! فماذا يريد هؤلاء، والى اين يريدون أن يدفعوا العراق ؟
ان مواقف مثل هذه تكشف زيف التباكي على وحدة الوطن وادعاء الحرص على ان يتسع للجميع !
ويبقى ان نشير الى ان هذه الزيارة ينبغي الا تبقى يتيمة ومقطوعة ، بل ان استمرار التواصل مطلوب في كافة المجالات.