اعمدة طريق الشعب

الانزلاق إلى المقاطعة / ياسر السالم

«لا جدوى من أن أوسخ أصبعي، النتيجة معروفة مسبقاً»، يقول صديق معلقاً على المشاركة في الانتخابات المقبلة، ومثله عديدون يعبرون عن موقف مشابه يستند إلى حجج متنوعة، منها: تزوير النتائج، غياب البديل السياسي..
أرقام البيانات الرسمية تكشف تدنياً ملحوظاً في المشاركة الشعبية بالانتخابات السابقة، لا يمكن إغفاله. إذ كانت نسبة المشاركة في اقتراع عام 2005 تتجاوز 76 بالمئة، وتراجعت إلى 62 بالمئة في انتخابات 2010، وفي 2014 وصلت إلى 60 بالمئة.
وإضافة إلى تدني الوعي السياسي لدى غالبية المقاطعين، الذي تعتبره منظمات معنية سبباً رئيسياً في تدني نسب المشاركة، فان ثمة نزعة عدمية سلبية تنامت طردياً مع تردي الأوضاع في البلاد، وتفشي العنف والفساد.
غير أن اتجاها بدأ يبرز، ويتبناه أفرادٌ، يرون في مقاطعة الانتخابات موقفاً لا بد منه.
يرفض المروجون لهذا الموقف، التحرك على قاعدة قوانين وإجراءات تصوغها القوى المسيطرة على السلطة، وتتحكم في نتائج الانتخابات، بل وتزورها أيضاً. وتطرح هذه الإشكالية الرئيسية، حسب رأيهم، إلى جانب أخرى تتحجج بـ»غياب البديل السياسي» كمبررات لمقاطعة الانتخابات.
يحمل هذا الاتجاه موقفاً ثورياً في داخله، حيث أن مقاطعة الانتخابات، لا تعد فعلاً تصحيحياً أو إصلاحياً داخل النظام السياسي، بل أنه موقف يُتخذ لمواجهة ذلك النظام والعمل على تغييره.
لكن هذا «الموقف الثوري» يبقى مشوهاً وغير مكتمل، لأنه ينطلق من مواقف فردية ولا يشكل في مضمونه توجهاً واضحاً. خاصة وأن مستلزماته لا تفترض إطلاق النداءات والشعارات المجردة، من قبيل هاشتاك (لن_ انتخب) الرائج في بعض صفحات فيسبوك.
أن موقفاً كهذا مفرغاً من محتواه السياسي والفكري، لا يمكن أن يتحول إلى موجة شعبية تؤثر في مسار الواقع، كما يأمل صانعوه.
ثم ان إشكالية «غياب البديل السياسي» الذي يمكن أن يحدث توازنا في ميزان القوى السياسية، لا تحظى بتبرير معقول. فليس من الواقعية، أنه بحجة «غياب البديل»، علينا أن نبقى على حالنا!
ولو سألنا أصحاب هذا الاتجاه: تعالوا نرى كيف نخلق البديل الموعود؟ سيهزون رؤوسهم قائلين: عذراً، هذا ليس من اختصاصنا.
وهذا منطق غريب، يستند إلى قدريّة تنتظر من السماء بديلاً، ينزلق إليه من يفترض أنهم حملة فكر تنويري.