اعمدة طريق الشعب

الفساد والارهاب لا انفصام بينهما / محمد عبد الرحمن

قيل وكتب الكثير عن الفساد، وجرى التحذير من مخاطره وكونه صنوا للارهاب ، وانه هو من اسهم في تشكيل الظروف التي استثمرها الارهابيون لبث سمومهم وفرض « دولتهم « المسخ، التي تمددت سريعا في حزيران 2014 حتى بلغت مشارف بغداد . ودفعت بلادنا ثمنا باهضا ، في الارواح والممتلكات العامة والخاصة والبنى التحتية، جراء ما حصل، وهو ليس بعيدأ عن مجمل السياسة والنهج السياسي المعتمدين انذاك .
ورغم ان وقتا طويلا نسبيا مر على ذلك، وان الكثير من الامور قد انكشف واصبح ابطال الواقعة الشائنة معروفين، ما زال الفاسدون يصولون ويجولون ، ولم تمتد يد العدالة اليهم بعد ، فيما تتداول وسائل الاعلام ومواقع التداول الاجتماعي قصصا هي اقرب الى الخيال ، عن التفنن في النهب المتواصل لاموال الدولة ، في ظل انخفاض الايرادات والتقشف في الفترة الاخيرة جراء انخفاض اسعار النفط عالميا .
والامر الواجب تكرار التنبيه اليه باستمرار، هو ان مظاهر الفساد لم تعد تقتصر على حجم المال الذي يدس في يد المرتشي ، او ضخامة المبلغ الذي يسقط في « الجرارة « المفتوحة وهي تنادي: هل من مزيد ؟ بل تنوعت اشكاله وتفنن الفاسدون في ابتكار طرقه، ومنها الطريقة الناعمة التي تدرج تحت عنوان « استغلال الموقع او المنصب «. فكم من المسؤولين استغل منصبه ابشع استغلال ، ولا يزال يصر على ان يخرج بمواعظ في الوطنية والتصدي للفساد وهو الفاسد من راسه الى قدميه !
طبيعي ان تهم الفساد لا يفترض ان تسقط بالتقادم ، ولا ان يغض النظر عن الاموال التي نهبت وسرقت ، ولا عن تلك التي هربت ، ولا ان يدفع التركيز حالياعلى تحرير الموصل ومدن نينوى الاخرى او غيرها من مناطق وطننا، الى اتباع طريقة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم « عفا الله عما لف «. فما سلف هو سرقة اموال الناس والشعب، التي لا يجوز التفريط فيها. ومما يؤسف له ان بعض من سرقوها او تغاضوا عن الجرائم المرتكبة، لا يزالون يصدرون «الفرمانات» وكأن شيئا لم يكن ، بل وتبذل مساع كبيرة لاعادة تأهيل البعض منهم، وتلميع صورتهم، خصوصا وان الانتخابات، سواء لمجالس المحافظات ام مجلس النواب ، تدق الابواب.
ولا يفترض في محاربة الفساد ان يتم التركيز على موظفي الدولة وحدهم، بل وعلى كل المسؤولين دون استثناء ، اضافة الى القطاعات الاخرى خارج الدولة ومؤسساتها. ولا يفترض التركيز فقط على ما « خف وزنه « والحديث عن هذا او ذاك من صغار الموظفين ، فيما الحيتان الكبيرة تبقى مصونة وفي امان، بفضل العديد من العوامل والمؤثرات .
بالامس انشغل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في ما اعلن عن ان مشروع انشاء « فلكة « في مدينة كربلاء، قد كلف الدولة مليارا و450 مليون دينار، حسب تصريح مسؤول محلي في مجلس محافظة كربلاء! فهل ان هذا مبلغ بسيط حتى يتم التغاضي عنه، في وقت تتفاوض فيه الحكومة مع دول العالم والبنوك والمؤسسات المالية للحصول على ملايين من الدولارات، تسد بها العجز في الموازنة ؟. ان من حق الناس أن تتساءل عن دور القضاء والنزاهة في متابعة هذه الامور واتخاذ الاجراءات اللازمة في شانها . وهل يحتاج الى اثبات ودليل من يقول ويعلن ويصرح « بعظمة لسانه» انه تلقى رشى ، وانه جاء لتقاسم المغانم ؟ ومتى يطبق حقا مبدأ « من اين لك هذا « على من تتضخم اموالهم واملاكهم امام الأعين، وبضمنها اعين المكلفين بصيانة « اموال الناس «.
في موازاة حربنا ضد الارهاب ، لا يفترض التراخي لحظة واحدة في المطالبة بكشف الفساد وملفاته ورموزه وسوقهم الى العدالة. فالفساد – كما سبق ان قيل الف مرة ومرة - هو ما يغذي الارهاب ويديمه. والمفترص الا تخدعنا الاصوات العالية المتباكية كذبا على اموال الشعب ، ولا التستر بالورع والتقوى على الفساد المطنب .