اعمدة طريق الشعب

الطريق إلى التسوية / ياسر السالم

في موازاة معركة الموصل، تتحرك عجلة السياسة بحثاً عن حلول لأزمة العلاقات في مرحلة «ما بعد داعش».
قادة التحالف الوطني يتحركون من جانبهم، بإيقاعات مختلفة، للملمة شمل قواه. وفي المقابل تشتد معارك رموز اتحاد القوى، قبل البدء في إعادة ترتيب الاصطفاف وتقاسم مساحات النفوذ في المناطق المحررة. في حين لم تشرق الشمس بعد في الإقليم لتذيب جليد العلاقات بين القوى الكردستانية.
لم يكن إقرار قانون العفو العام وتعديل قانون المساءلة والعدالة وتشكيل لجنة التعديلات الدستورية، إلا مدخلاً لتحرك قادم، تبقى مآلاته محكومة باشتراطات عديدة.
وفي إطار هذا المنحى، تُناقَش في أروقة التحالف الوطني وثيقة سميت «التسوية التاريخية»، هدفها، كما هو معلن، معالجة الأزمة السياسية عبر تجاوز أخطاء الماضي، وتجنب فرض تسوية سياسية خارجية على العراق.
ويشترك في مناقشة هذه الوثيقة ممثل الأمم المتحدة في العراق، فضلاً عن منظمات دولية معنية بالملف العراقي لم يجر الكشف عنها.
ويرى بعض قادة التحالف الوطني أن الوضع الذي كان سائداً في بلادنا ما قبل 10 حزيران 2014، لن يعود هو نفسه بعد الخلاص من داعش، باعتبار مشاريع التجزئة والتقسيم والحكم الذاتي يمكن أن تلقى رواجاً في المناطق المنكوبة.
ولست أدري إن كانوا يدركون حجم مسؤوليتهم في نشوء هذه الأوضاع المتفجرة، وهي مسؤولية كبيرة بحكم نفوذهم في الحكم.
لذا، ومن أجل تجنب مفاجئات سياسية ثقيلة، كان على قادة التحالف الوطني، من منطلق مصلحتهم، المبادرة لرسم لوحة علاقات سياسية جديدة مع القوى الأخرى، بعدما غدت اللوحة القديمة بلا ملامح، وبعدما أشهرت دول إقليمية مشاريعها في العراق وعموم المنطقة بشكل سافر.
لكن مع تغير الحال، تتغير قواعد اللعبة أيضاً.. فالتسويات السياسية الفوقية لم تعد ممكنة: لا توزيع الحكومة كحصص، ولا مناصب الترضية، ولا توقيع وثائق التصالح أمام الكاميرات.. فهذه التنازلات الشكلية – إن كانت حقاً تنازلات، لن تمنع المفاجآت.
وحتى الآن، لا يبدو أن زعماء الأزمة يتحلون بمرونة كافية لخوض تجربة «التسوية التاريخية».. هكذا تقول وقائع المضاربات السياسية داخل مجلس النواب وخارجه، ومواقف الكتل من عملية الإصلاح.
ثمة مدن مهدمة بالكامل، لن يعمرها اقتصاد يعاني أزمة تستفحل يومياً، ثم أن ملايين الناس المشردين يذوقون مرارة السياسات السابقة، ليسوا مستعدين للقبول بعودة هذه السياسات.
أن الطريق إلى التسوية يمر عبر اجتذاب هؤلاء الناس وغيرهم من الساخطين، وعبر إصلاحات سياسية فعلية في إدارة السلطة.. فهل من يقبل بتجرع علقم التنازلات الحقيقية؟!