اعمدة طريق الشعب

مع انتشار الدجل والشعوذة.. تدهورت صحتنا !/ د. سلام يوسف

تحاول العلوم الطبية على مر القرون أن تتوصل الى معالجة ما يمكن معالجته من الأمراض المتنوعة. فهي أمراض التهابية وغير التهابية جراحية وغير جراحية، منها النفسية ومنها العصبية ...الخ ، ويحاول العلماء الاستفادة من الكم الهائل من المعلومات اضافة الى تطويع منتجات الثورتين الصناعية والالكترونية من أجل خدمة الإنسان والتعامل مع أمراضه كوحدات مادية موجودة بالفعل يلمسونها ويتعاطون مع كل مخرجاتها. ومن الأمور التي تتفق عليها شعوب الأرض هي ان الاكتشافات الطبية سواء التشخيصية أو العلاجية وكذلك التحصينية غايتها درء مخاطر الأوبئة عن المجتمعات. فالتاريخ يحدثنا عن الهلاكات الكبيرة التي حصلت جراء تفشي الأمراض، وبالتالي فان العلماء يعملون جاهدين على حماية البشرية من شرور تلك الآفات المرضية بمختلف صنوفها.
ونرى في البلدان التي سلكت طريق البناء والعمران والتقدم والحضارة العلمية والإنتاجية انها اهتمت اهتماماً كلياً بالطب والطبابة وبصحة المجتمع، وجعلتها مُلازمة لكل خطة تنموية. وهذا يعني أنها تعمل باتجاه إشاعة المفاهيم العلمية المتجددة وبشكل مستمر ودائم بين الناس، كي يمتلكوا وسائل تمكنهم من تحاشي الإصابة بالأمراض المعدية وغير المعدية. فراجت المفاهيم الصحية العلمية بين الناس من خلال منظمات المجتمع المدني ووسائل الأعلام وفي المدارس والمعاهد والكليات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ودور العبادة، وفي كل مرافق تلك الدول والمجتمعات. بل وسُنّت قوانين يحاسب بموجبها وهدفها مصلحة الوطن والمواطن عن طريق الثقافة الصحية ومحاربة كل ما شأنه ان ينتج ضرراً صحياً مهما صغر.
الاّ أن ما يحصل في بلداننا وجراء سياسات الأنظمة اللامدنية واللاديمقراطية (من الناحية الفعلية وليس المذكور في الدساتير)، وفي العراق تحديداً، هو شيوع مفاهيم بالية، بعيدة كل البعد عن العلم والتكنولوجيا والالكترونيات التي تنعم بها بلدان العالم. وانتشرت دكاكين الدجل والشعوذة وأصبحت تجذب الأميين ومغيبي الوعي وبسطاء التفكير وخصوصاً من الطبقات الفقيرة، فأصبحت تلك الدكاكين مراكز تجارية، بضاعتها وسائل بدائية ومفاهيم ساذجة يتلاعبون بواسطتها بعقول هؤلاء الجهلة والمساكين ويبحرون بها في محيطات الغيب لينتج عنها انتقال العدوى بين الناس. والاّ ما معنى إنسان مصاب بحمى التايفوئيد ليأتي (أحد هولاء التجار) ليعالجه بالكي وحجاب!! والتايفوئيد مرض بكتيري ينتقل عن طريق الطعام والشراب الملوث بها، وما معنى أن يعالجوا شابة مصابة بالصرع بالقيام بحركات بهلوانية لإخراج شئ ما من رأسها! في حين ثبت بما لا يقبل الشك أن الصرع هو عدم مركزية الشحنة الكهربائية الدماغية، لسبب وخلل عضويين! وما معنى ان ينصح أحد الدجالين أمرأة لا تنجب أن تكتب على بطنها أسم أحد الأئمة الأطهار كي تحبل؟ في حين ان هناك أسباباً صحية علمية مادية ملموسة في حصول حالة تأخر الحمل أو العقم والتي بدأ العلم فعلاً بمعالجتها.
لقد أصبحت الحالات المعدية الكثيرة بؤراً لانتقال العدوى بين الناس وغدا انتشار تلك الأمراض سهلاً بحكم تلك الممارسات التجارية التي وللأسف الشديد تحظى بدعم وحماية الحكومة. وهذا يعني من الناحية العملية المساهمة المباشرة في توفير مناخات مثالية لتحول تلك الأمراض من متوطنة ساكنة الى أوبئة تنفجر في اية لحظة.
لقد تدهورت صحة المجتمع خلال العقد الأخير في العراق بصورة ملفتة ولا أدل على ذلك من الإحصاءات التي تشير الى انتشار أمراض عديدة ومنها ما كان العراق في الطريق الى إعلان نظافته منها.
إن الدجل والشعوذة التي يمارسها هؤلاء التجار الدخلاء على المهنة وعلى الانسانية، قد ساهمت بشكل مباشر في اشاعة الخرافات، بل في إشاعة طقوس وسلوكيات لا يمكن في اي حال من الاحوال ان تعزلها عن مفاهيم سادت في العصور الجاهلية والوسطى المظلمة. فأية جاهلية هذه التي تعزو انتشار السرطان الى الحسد؟! وأية مفاهيم هذه التي تزعم أن علاج داء السكري يتحقق بخرزة!!
اننا بحاجة الى فعل اعلامي واسع وخطة توعوية هدفها المواطن وصحته وصحة المجتمع، بعيداً عن الدجالين والتجار والمرابين والسماسرة والطفيليين، الذين يتلاعبون بمقدرات الناس والمجتمع.
ترى الا يجدر ببرلماننا العتيد ان يتدخل ليضع الامور هنا في نصابها؟