اعمدة طريق الشعب

في دبيبه الاول نحو فردوس المعرفة / عماد جاسم

يتعرف ابني في أول ايّام سنته الدراسية في الاول ابتدائي على مفاهيم ترفع من مناسيب الحيرة والفضول عنده. يركض نحو ابيه الذي تعلو محياه علامات الاستفهام عن مهمة ابنه الجديدة التي كلّف بها (مراقب سري) ياللهول..!
تم تكليف هذا البرعم بمراقبة أصدقائه خفية وتحذير المعلمة من افعالهم التي قد تهدد أمن المدرسة والدولة !!
فرحة ابني بأول وظيفة تكلفه بها الدولة التي تحترم اطفالها، قللت من سخطي على وزارة التربية التي لم تزل تصر على اسمها، برغم محاولات البعض تشويه سمعتها بفبركة تهمة عدم توزيع المناهج وطباعة اغلب الكتب في مطابع تابعة للحزب الاسلامي!
ربما أولى مهام ولدي الذي ضمن وظيفته في دولتنا الأمنية المخابراتية، هو إيصال سخريتي الى مسؤوليه السريين فقد أخذت ملامحه تتبدل وهو يسترق السمع لتعليقاتي عن غباء المنظومة التعليمية المحنطة بمفاهيم عنفية ترسخ ثقافة انتهاك الخصوصية وتزرع بذور التناحر المجتمعي، بدل ان تستورد مفاهيم الحب الطفولي والذكاء التفاعلي وتؤسس لقيم التسامح بين جيل نحاول ان يكون معافى من أدران ماضي حماقات صدام، التي خلفت مجتمعا يعاني الاحباط والسلبية مثلما خلفت نخبا سياسية معدومة الضمير.
فكرت بجدية في ان أكون إيجابيا بالبحث عن وسيلة قانونية لتدارك هذا التراجع المخيف للقيم التربوية والإنسانية، وتدارك هذا النزوع غير المبرر إلى مظاهر بوليسية في عوالم الجمال البريئة. لكن نشرة الأخبار اليومية ذكرتني ان عليّ من باب أولى ان ارفع قضية ضد امتيازات نواب الرئيس العائدين الى مقاعدهم منتصرين على ارادة شعب يرزح تحت طائلة الفقر والعوز والتقشف المذل . أو من باب أولى ان ارفع قضية بشأن عقارات المنطقة الخضراء والكرادة التي حولت ملكيتها لسياسيين متنفذين ولأبنائهم. أو رفع قضية على أعضاء مفوضية الانتخابات اللامستقلة وهم يشاركون لصوص البلاد المنهوبة ولائم المساء، التي ستسفر عن انتخابات تعيد تدوير قمامة الأحزاب الحاكمة، دون الخروج بقانون عادل أو أعضاء مهنيين مستقلين..
وهنا توقفت عن خطوتي المجنونة وادركت ان وزير التربية، هذا الشاب الصامت غير المبالي الذي يضيء وجهه بالنعمة والتقوى، هو اقل وحشية وبؤسا من اقرانه. أو ربما لان نظرات المراقب السري في بيتي، وهو الذي أعلن ولاءه لقيادته الجديدة، حجمت من فكرتي المتهورة!