اعمدة طريق الشعب

من المحاصصة ..الى احتكار السلطة !/ محمد عبد الرحمن

لا احد يمتدح المحاصصة علنا ، فيما كل الطرق التي يسلكها المتنفذون تهدف الى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ. ففيها « الكنز» الذي لا يريدون اضاعته وفقدانه ، على الرغم مما سببته وتسببه من ويلات، اوصلت بلادنا الى هذا التدهور على كافة المستويات ، والذي لا احد يحسدنا عليه .
ان الخلاص من المحاصصة لا يتحقق بالامنيات ، بل يتطلب موقفا وارادة واجراءات ووضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار. وواقع الحال انه فيما يعلن رئيس الوزراء في لقاء له مع وجوه من مدينة تلعفر ، عن ان المحاصصة جرى الحد منها، وذلك ما تحاول الايحاء به ايضا قوى متنفذة في اطار التحالف الوطني ، نجد ان الواقع على الارض تجاوز المحاصصة ، وبلغ ما هو اسوأ منها ، بلغ الاقصاء والاحتكار وفرض هيمنة تكاد مطلقة!
فاي من الوزارات او المؤسسات جرى التخلي عن المحاصصة فيها؟ وتكفي الاشارة هنا الى وضع الهيئات المستقلة لتبيان حقيقة الصورة ، وهوية من يستحوذ على اغلبية المواقع الرئيسة في مؤسسات الدولة.
لقد كان الوضع في بعض مؤسسات الدولة افضل حتى عندما جرى تقاسم المناصب بين الكتل الثلاث، التي يريد المتنفذون ان يحشرونا فيها حشرا. فهي اليوم تسند الى جهات سياسية محددة معروفة، محسوبة على التحالف الوطني الحاكم، ويتم هذا حتى لو تطلب الامر ما هو قريب من قرقعة السلاح وقوة الامر الواقع عسكريا . فلا تكاد ، الان ، تشغر وظيفة من وظائف الدولة بسبب التقاعد او الاحالة اليه او الابعاد او التقليص ، حتى تسد حالا من ترشيحات معروفة المصدر، وتضفى الشرعية عليها بصدور الامر الديواني بالتكليف وكالة! حتى غدا الكثيرون يتندرون على « دولة الوكالة « عندنا .
وهناك اسلوب آخر مبتكر، هو التمديد لمن هم في مواقعهم وكالة ، ويتم ذلك في الغالب انتقائيا. ففي حين يُرفض التمديد للبعض، يحصل البعض الآخر « المدعوم والمحظوظ « على التمديد ثلاث وحتى اربع مرات. والصلاحية جاهزة عند رئيس الوزراء ، بل حتى المبررات متوفرة ، ولا احد يعترض على ذلك لانه يصب في مصلحة « الاغلبية « الحاكمة. بل انها هي من يسعى الى ذلك برضا وقبول من الاخرين، على امل الحصول على جزء من» الغنيمة « . وفي هذا كله ثمة حصة كبيرة معروفة لذوي القربى و» وعاظ السلاطين «،فيما تذهب الحصة الاكبر الى حزب معروف، يدافع عن ذلك جهارا ويبرره بكونه حصل على اعلى الاصوات !
هذا هو الواقع من دون تزويق ، ولكن بما انه يصعب على القوى المتنفذة الظهور بهذا المنظر الصارخ، يتم تزيين بعض الصورة بالسماح لعدد محدود ومحسوب جدا من خارج هذه القوى المتنفذة بتنسم بعض المواقع. ولا يتغير الحال بغض النظر عن عدد الوزراء ، او من هم في درجتهم، من خارج « الاغلبية الحاكمة « ، حرصا على « المحاصصة « في بعض وظائف الدولة العليا .
وقد ازداد الامر سوءا بعد بعض الاستجوابات التي جرت وتميزت بصبغتها السياسية، كذلك التي يعلن عن اجرائها لاحقا على نفس النمط والسياق ، فيما تسير التحضيرات لها من دون ضجة كبيرة كالتي صاحبت الدعوة الى استجواب وزير الخارجية مثلا. الوزير الذي قيل وقتها انه رمز، فكيف يستجوب؟ فيما هذه الرمزية لم تُضْفَ على آخرين شملهم الاستجواب ! ولعلها من بين الاسباب الرئيسة التي تحول دون فتح ملفات عديدة، مثل ملفات الفساد والموصل وسبايكر وسقوط الرمادي وصفقات الاسلحة ، وضياع مليارات الدولارت... الخ !
من المؤكد ان ما يحصل يعود الى اسباب مختلفة، منها فقدان المعايير والوجهة ، وعدم تشكيل مجلس الخدمة، وانعدام الشفافية في اعلان الوظيفة العامة واسنادها. واذا استمر الحال على هذا المنوال سواء في المركز ام في المحافظات ، فقد نصل الى وقت نرفع فيه شعار « عاشت المحاصصة ! «.
انه قضم تدريجي لمؤسسات الدولة من قبل « الاغلبية « ، وهي للاسف ليست اغلبية سياسية ، بل هي تعبر عن نفسها كممثلة لطائفة بعينها .
فهل نصل الى اليوم الذي نقول فيه «باي باي» للتنوع في مجتمعنا ؟