اعمدة طريق الشعب

بداية التسوية: حسابات الفساد / ياسر السالم

قبل شهرين من موعد الانتخابات البرلمانية في العام 2014، صوت مجلس النواب على آخر مشروع قانون قبل نهاية دورته، هو قانون التقاعد الموحد، الذي تضمن امتيازات تقاعدية لأعضائه ولبقية ذوي الدرجات الخاصة في الدولة.
كان هذا التصويت، بمثابة تراجع عن الإجراءات التي اتخذت في حينها انسجاما مع مطلب تظاهرات 31 آب 2013، التي نادت بإلغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات للنواب وكبار المسؤولين.
هذا التحايل والالتفاف على المطالب الشعبية، يبدو منهجاً متفقاً عليه حتى اليوم لدى كتل البرلمان، التي بقيت هي نفسها مستأثرة بالسلطة، رغم تباين قوى نفوذها.
فعلى عكس المطالبات الشعبية بكشف ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة، مرر مجلس النواب في جلسته يوم الاثنين الماضي، الحسابات الختامية لموازنات أربعة أعوام (2008-2011)، دون تدقيق تفاصيل، ما تضمنته من صرف للأموال خارج تخصيصات الموازنات، التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مع ضياع أصولها جراء حرائق التماس الكهربائي واسعة الاستخدام !
إصرار رئيس البرلمان على تمرير الحسابات دون مناقشتها كان واضحاً، حيث طلب من النواب المعترضين متابعة المخالفات الواردة في الحسابات قضائياً ومع هيئة النزاهة. وعلل هذا بالقول ان المصادقة على الحسابات ستمنح الحق القانوني لملاحقة المخالفات.
ولامتصاص ردود الفعل المنتقدة، أدرجت رئاسة البرلمان قراراً في جدول أعمال المجلس لليوم التالي (الثلاثاء) بتشكيل لجنة لتدقيق أموال الدولة منذ عام 2003.
يعرف رئيس البرلمان ومعه النواب الذين أقروا الحسابات، القول العراقي الدارج: «إذا أردت أن تسوف قضية، فشكل لها لجنة!» ومع هذا لم تشكل اللجنة، ولن تتابع المخالفات. لا النزاهة كشفت مرةً تحقيقاتها حول أي ملف فساد، ولا صدر يوماً عن القضاء حكم في ملفات فساد كبيرة.
ما يؤكد هذا القول هو الحقيقة التالية: صادق البرلمان سابقاً على الحسابات الختامية للأعوام 2005- 2007، ولم يتم اتخاذ أي إجراء في شأن متابعة المخالفات المثبتة في الحسابات.
وبالإضافة إلى إضفاء الشرعية على حسابات المسؤولين المتخمة بالأموال المنهوبة، فان المصادقة على حسابات الفساد هذه، ستغطي على أصحاب المسؤولية المباشرة، وتبيّض صفحة الفاسدين وتبرئ ساحة الجميع.
في هذه الخطوة كذلك، نتلمس مساعي سياسية استعداداً لمرحلة ما بعد داعش، ولتمهيد الطريق نحو «التسوية التاريخية» التي لم تكتمل مسودتها النهائية بعد.. ذلك ان للتسوية متطلبات عديدة أولها: تصفير الاتهامات.. قبل تصفير الأزمات!