اعمدة طريق الشعب

سياسة.. وسياسة / ياسر السالم

لا تشتغل السياسة في العراق، بقدر ما يتحكم منطق العصابات في علاقات القوى الفاعلة: تهديد ووعيد، فرض إرادات، ابتزاز وصفقات.
ولم تحرك عجلة السياسة يوماً، إلا وامتدت العصي لإيقافها.. لماذا؟! لأن القوى المتحكمة، على اختلاف مشاريعها، تغذي وجودها من خلال افتعال الأزمات وتدويرها.
لدى المتابع أمثلة عديدة، تؤكد أن مشروع الاستقرار السياسي ليس بعد على أجندة مرحلة «ما بعد داعش»، وهو العنوان الأكثر زخما في التصريحات الإعلامية.
في وثيقة «التسوية الوطنية»، رغم جدية الملاحظات حولها، فعل سياسي واضح. فقادة التحالف الوطني يظنون أنهم مهيئون لإرساء برامج تصفير الأزمات، وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين القوى، قائمة على معالجة أخطاء الماضي.. لكن بعض الظن إثم!
يمكن اعتبار قانون الحشد الشعبي، أول اختبار لأهلية التحالف في إطلاق مشروع مصالحة حقيقية. والنتيجة حتى الآن ليست في صالحهم.
فقد تصاعد الخلاف بين الكتل البرلمانية، حول مقترح القانون بين راغب فيه ورافض لتمريره.
فبعض الأطراف تعبر عن مخاوفها من الإبقاء على الحشد الشعبي كمؤسسة بعد انجلاء غبار المعارك، وترى أطراف أخرى أن تعدد المؤسسات الأمنية مضر باستقرار البلاد، وأن الصيغة الأمثل هي دمج مقاتلي الحشد والعشائر في المؤسسة العسكرية والأمنية.
في المقابل، تتحدث قوى التحالف الوطني عن أغلبيتها البرلمانية في حال جاءت من الأطراف الأخرى معارضة لتمرير القانون. نواب كثُر صرحوا بذلك، وبعضهم من كتلة المواطن التي يتزعمها السيد عمار الحكيم، المبادر إلى «التسوية».
كان الأجدر بقادة التحالف الوطني، أن يفكروا بتدابير تمهد الطريق نحو الحوار، وتحفز الأطراف الأخرى على الجلوس إلى الطاولة، لا أن تُكتب أوراقٌ قد لا تجد كثيرين يقرأونها.
وليت الأمر يقف عند تشريع قانون الحشد. فما يتضح من السجال حوله، هو أن تشريعه لا يلغي مشروع قانون الحرس الوطني.. وفي تقابل القانونين، نكون أمام مشروع تقسيم طائفي ترسم ملامحه جيوش رسمية!
هذه الازدواجية، ليست غريبة عن الواقع السياسي في العراق: أن تكون في الحكم ومعارضاً في الوقت نفسه؛ أن تكون صاحب رؤية لبناء الدولة ومُشرعاً دستورياً لانقسام طائفي، وأن تكون متفرداً بالقرار وصاحب مشروع مصالحة في آن واحد.
لا تحفر هذه السياسة المتناقضة، أساساً لبناء دولة موحدة، بل لعلها أقرب إلى سياسة حفاري القبور !