اعمدة طريق الشعب

حان الوقت لتصحيح السياسة التجارية / إبراهيم المشهداني

تشكل التجارة قطاعا اقتصاديا مهما في عملية التنمية الاقتصادية تؤثر وتتأثر بمختلف القطاعات الأخرى، وهي وعاء لسد حاجتها من المواد الأولية وآخر منجزات العلم والتكنولوجيا لتطوير أدائها ورفع إنتاجيتها الأمر الذي يتطلب رسم سياسة جديدة تتناسب مع هذه الوظيفة الهامة للتجارة .
وهذا القطاع يرتبط بطبيعة وظيفته بطائفة من المتغيرات ومنها على سبيل المثال لا الحصر السياسة النقدية وإجراءاتها واهدافها في تحقيق الاستقرار وتحقيق معدلات مناسبة من التضخم ، كما ترتبط أيضا بمتغير التعرفة الكمركية التي تدخل في صلب السياسة المالية . وترتبط من جهة أخرى بمتغير ثالث يتمثل بقدرة الحكومة في السيطرة على المنافذ الحدودية ومنع تهريب الأموال وبعض السلع الاستراتيجية المنتجة في العراق الى الخارج .
إن قطاع التجارة خلال الفترة الماضية واجه تحديات كبرى لا تزال قائمة وفي المقدمة منها ضعف التطور الصناعي وتخلف الكثير من الصناعات التي كانت تجد طلبا من الأسواق الخارجية ومنها صناعة الغزل والنسيج وصناعة الجلود وصناعة الاسمنت والبتروكيمياويات والصناعات الغذائية ، ويرافقه تدهور في المنتجات الزراعية والحيوانية بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أدت إلى تذبذب الإنتاج وبالتالي التأثير المباشر على الطاقة التصديرية لهذه المنتجات. لهذه الأسباب مجتمعة أخذت التجارة اتجاها واحدا اقتصر على الاستيرادات لتلبية حاجات السوق العراقية من المواد الأولية والاستهلاكية في مختلف الإغراض باستثناء قطاع النفط الذي هيمن على الصادرات العراقية باعتباره الممول الأساس لميزانية الدولة .
وإلى جانب ضعف الصادرات غير النفطية فإن السوق العراقية تكيفت خلال السنوات بعد التغيير على تقبل سياسات الإغراق التي تمارسها بعض الدول من خلال وعاء الاستيرادات بجانبيها القطاع الحكومي والقطاع الخاص التي اقتصرت والى حد كبير وخصوصا القطاع الخاص على إشباع السوق بالسلع الرديئة قصيرة العمر التي لم تثمر أية منافع للاقتصاد العراقي وكانت منفذا خطرا لخروج العملة الصعبة والتأثير السلبي على حجم الاحتياطي النقدي من خلال نافذة البنك المركزي. وتشير البيانات الإحصائية الى أن إجمالي استيرادات القطاع الخاص بلغ 278 مليار دولار خلال الفترة 2003—2013، فيما بلغت قيمة استيرادات القطاع الحكومي خلال نفس الفترة 99 مليار دولار وبلغ إجمالي مبيعات البنك المركزي للفترة ذاتها 282 مليار دولار وان نسبة إجمالي استيرادات القطاع الخاص الى مجمل مبيعات البنك المركزي 99 في المائة * وهذا يعني ان قيمة مبيعات البنك المركزي مكرسة للقطاع الخاص و تفوق حاجة السوق العراقية ما يعطي دلالة مخيفة على استنزاف الأموال العراقية من النقد الأجنبي وهذا يقوي الحقيقة التي تم التوصل إليها من قبل الكثير من الساسة والاقتصاديين ومفادها ان هذه النافذة أصبحت مهربا للأموال العراقية وهي محصورة بفئة قليلة من حيتان التجارة في الدولة وخارجها . وبالرغم من هذا الواقع المتردي فان ملف العراق للانضمام الى منظمة التجارة الدولية ما زال مطروحا على الطاولة وإذا ما أصبح عضوا كاملا في هذه المنظمة فهل سيلتزم بنصائح وارشادات المنظمة ؟ إضافة إلى تأثيرها السلبي على نمو القطاعات الإنتاجية في الوقت الحاضر وحمايتها من المنافسة الخارجية. لكل ذلك فان الوقت قد حان لمراجعة السياسة التجارية وإعادة النظر باستراتيجيها من خلال :
• بناء إستراتيجية جديدة لتفعيل القطاعات الإنتاجية السلعية ورفع وتائر إنتاجها أخذا بعين الاعتبار بناء طاقتها التصديرية لكي تأخذ مكانها في الأسواق الإقليمية والعالمية.
• إعادة النظر بطريقة بيع العملة عبر نافذة البنك المركزي ومراجعة السياسة النقدية وإجراءاتها بما يؤدي إلى الحفاظ على الاحتياطي النقدي والعودة إلى تفعيل دور دائرة التحويل الخارجي التي نجحت في ضبط إيقاع خروج العملة العراقية في مراحل سابقة .
• التشدد في فحص البضائع المستوردة سواء من قبل القطاع الحكومي –حيث البطاقة التموينية شهدت استيراد بضائع متعفنة وفاقدة الصلاحية – او من قبل القطاع الخاص وتشديد الرقابة بواسطة جهاز التقييس والسيطرة النوعية .
• الاستخدام الواسع للأنظمة الالكترونية لغرض تحسين أداء الدوائر الكمركية وإزالة القيود والمعوقات وتسهيل الإجراءات وترشيق الخطوات غير المهمة .
* الأرقام مأخوذة من دراسة أعدها أ.م.د مظفر حسني إلى ورشة حوارية اقامتها منظمة تموز على قاعة المركز الثقافي النفطي في بغداد.