اعمدة طريق الشعب

المبدعون ثروة وطنية..لا تفرّطوا بهم !/ عبد السادة البصري

قبل أيام رحل عن عالمنا مبدع عراقي أرشف وأرّخ فنياً لانتفاضة الحي الخالدة عام 1956 عبر روايته الفذّة (ما بعد الرماد) ألا وهو الروائي (شاكر الميّاح) الذي كتب روايات (الغبش ، ما بعد الرماد ، صبارو ) حيث مات فقيراً معدماً أنهكه المرض دون أن يسأل عنه مسؤول أو يسعى الى علاجه.
حينها استذكرت الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب الذي رحل غريباً في احد مستشفيات الكويت قبل أكثر من نصف قرن، بعد معاناته الكبيرة مع المرض و الإهمال. كما مرّت بمخيلتي قافلة أسماء من المبدعين الذين أرشفوا وأرّخوا لحقب وأحداث من تأريخ وطننا في كتاباتهم ورسوماتهم وتماثيلهم ومسرحياتهم، ممن عاشوا وماتوا مهملين بلا سكن يليق بهم أوعيش معقول أو اهتمام من أحد ، ولو أردت ذكر أسمائهم فلن يسع المكان!
قلت في نفسي ساعتها: لم نعرف الحضارات الأولى إلاّ عن طريق الرقم الطينية التي دونها مبدعو ذاك الزمان، ولم يصل إلينا من أخبار الملوك والثوّار والشعراء ومَن جاء بعدهم شيء، لولا أولئك الذين أبدعوا في تدوين كل شيء؟!
فكل الأسماء والمدن والأحداث التي نعرفها الآن وصلتنا بفضل ما تركته قرائح المبدعين وما سطّرته أقلامهم من ملاحم وحكايات وأشعار، أرّخت لزمنهم ووصفت أماكنهم لنقرأهم ونعيشهم رغم البعد الزمكاني بيننا !
المبدع مهما كان صنفه ومعتقده وطريقة حياته نقل إلينا وينقل للأجيال اللاحقة حكاياتنا وتاريخنا. لذا فان احترامه ودعمه واجب على كل فرد ، لأن الكل إلى زوال ولا يبقى الا إبداعه سواء كان شاعرا، روائيا، أكاديميا، رسّاما، نحّاتاً، فنانا مسرحيا وسينمائيا ..الخ. هو الذي يؤرشف تأريخنا وآثارنا لآلاف السنين، فعلينا أن لا نترك هذا المبدع عرضةً للفاقة والمرض ومواجهة آفات العصر وحده بلا سند. وكل الشعوب تحترم مبدعيها الأحياء والأموات من خلال الاستذكار والتقدير والتبجيل الذي تقابلهم به، ولا تتركهم يواجهون مصاعب الحياة ويحفرون بأزميل أرواحهم في الصخر إبداعا !
إذا أردنا أن نحترم تاريخنا وثرواتنا الوطنية حق الاحترام علينا أولاً أن ننتبه الى المبدعين في شتى المجالات ، لأنهم بدأوا يتساقطون كأوراق الخريف اثر الأزمات المتلاحقة عليهم من صعوبة السكن والمعيشة واشتداد المرض، لا أن نتبجح باحترامنا ودعمنا للثقافة والمثقفين في كل كلمة أو خطاب أو مؤتمر أمام الناس وعبر الفضائيات، ونحن لا نعرف عن مبدعينا شيئا وحتى ننظر اليهم بعين عوراء لنتهّمهم بشتى التهم والألفاظ !
علينا أن نعرف جيداً إن التاريخ والتراث وكل ما سيبقى هو ما يكتبه أولئك المبدعون بالريشة والقلم ، أمّا المناصب والكراسي وحسابات البنوك فإنها الى زوالٍ حتماً، وسينسى الناس أصحابها ويتذكرون المبدعين فقط ، والشواهد على هذا كثيرة جداً.
مبدعونا ثروة وطنية علينا أن لا نفرّط بهم أبدا، وأن نلتفت إليهم ونهتمّ بهم بشكلٍ حقيقي وبضميرٍ واعٍ ومخلصٍ ونزيه ، كي ننتشلهم من الفاقة والضياع وآفة المرض، لأن آثارهم وكتاباتهم ثروة وتاريخ لهذا الوطن!