اعمدة طريق الشعب

السياسة الاقتصادية في مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي / إبراهيم المشهداني

انتهت يوم أمس الأول الرابع من كانون الأول إعمال المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي ، كانت السياسة الاقتصادية واحدة من الملفات الأساسية التي ناقشها المؤتمرون إسهاما في عملية إصلاح الاقتصاد والتوجه الجاد إلى انجاز عملية التنمية الاقتصادية المستدامة وطي صفحات الاختلال في البنية الاقتصادية بهدف معافاة الاقتصاد من الإمراض التي أصابته على مدى عقود من الزمن .
و عند مناقشة هذا الملف جرى التوقف عند الأسباب التي أدت إلى تراجع الاقتصاد العراقي وكان في مقدمتها بعد التغيير في عام 2003 الأزمة العميقة التي شملت مجمل البناء السياسي والمؤسسي للدولة مما وضعه أمام مفترق طرق وفي حال استمرار هذا المسار فان هذا الاختلال سيتعمق وستكون تداعياته ثقيلة على حياة المواطنين تتجلى في اشتداد التفاوت في الدخل والثروة .
كما تناولت وثائق المؤتمر التحليل الطابع الأحادي للاقتصاد وتعمق هذه السمة بعد التغيير بالاعتماد على العوائد النفطية التي تشكل أكثر من 90 في المائة من إيرادات الموازنات السنوية يقابل ذلك إهمال شديد للقطاعات الإنتاجية السلعية وخاصة الصناعة التحويلية والزراعة وأنشطة الخدمات الإنتاجية وأكثر من 50 في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدة أن أية خطة تنموية جديدة يجب ان يكون محورها بناء إستراتيجية تنمية صناعية وطنية قادرة بالدرجة الأولى على تنويع بنية الاقتصاد والصناعة وتنويع الصادرات من خلال دعم الصناعات الاستراتيجية المتمثلة في صناعات الغزل والنسيج والبتروكيمياويات والاسمنت والصناعات الغذائية التي تحفل البلاد بإنتاج عناصرها الأولية كي يتخلص الاقتصاد من تبعيته التاريخية إلى تصدير النفط الذي تترنح أسعاره صعودا ونزولا مما يؤدي إلى تتابع الأزمة .
واكد المؤتمرون في تحليل الواقع الاقتصادي إن من أسباب الأزمة إطلاق سلطة الاحتلال عملية تحويل بنية الاقتصاد من اقتصاد يحتل فيه قطاع الدولة وشركاته الحكومية والمختلطة دورا مهيمنا إلى اقتصاد سوق عبر إزالة جميع القيود عن التجارة الخارجية وفتح السوق العراقي أمام تدفق البضائع الأجنبية وإخضاعه إلى سياسة الإغراق التي تتبعها بعض الدول مما تسبب في انهيار شبه كامل لإنتاج البضائع وطنيا ، بالإضافة إلى التشريعات المتعلقة بالحركة الحرة لرؤوس الأموال التي اتجهت بالفعل إلى الخارج .
وقد اعتبر المؤتمرون عند مناقشة إنتاج البترول ، إن اعتماد عقود الخدمة في جولات التراخيص امرأ ايجابيا معتبرين أن من الخطأ برغم ذلك تعدد هذه الجولات وكثرة العقود التي أبرمت مع الشركات وبصورة سريعة مما ترتب على ذلك في ظل انخفاض الأسعار ظهور ثغرات مهمة أدت إلى تحميل العراق تكاليف عالية ومفرطة في الإنفاق . وعلى الرغم من الوفرة العالية في موارد النفط بعد ارتفاع الأسعار خلال الفترة بين 2005—2014 لكن طريق توزيعها من قنوات الإنفاق الحكومي شجعت على الاستهلاك وبناء قاعدة اجتماعية زبائنية قادت إلى ارتفاع هائل في إعداد الموظفين في القطاع الحكومي والأخطر منها تنامي ظاهرة الفساد والهدر المالي والسكوت عنهما مسببة نشوء طبقة طفيلية وهروب القسم الأكبر منها إلى خارج العراق وتوزيع غير عادل للثروة رافق ذلك صعود كبير في المديونية الداخلية والخارجية وتنامي الإرهاب .
لكل ذلك طرح المؤتمر رؤيته في إصلاح كل تلك الاختلالات عبر منظومة من الحلول تركزت في وضع إستراتيجية تنموية مستدامة واعتماد خطط قصيرة ومتوسطة الأجل والتنسيق بين السياستين المالية والنقدية وتفعيل دور البنك المركزي في تحفيز النمو الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية ومكافحة البطالة واعتبار قطاع الدولة قاعدة رئيسة للاقتصاد الوطني والوقوف بوجه الدعوة إلى اعتبار الخصخصة وصفة عامة وشاملة لحل مشكلات الاقتصاد واعتبار الفساد المالي والإداري هو الخطر الأكبر مع الإرهاب وتفعيل القضاء في محاربة هذه الآفة الخطرة واتخاذ الإجراءات الحازمة لإعادة الأموال المنهوبة والمحافظة على البطاقة التموينية وتحسين مفرداتها وإصلاح النظام الضريبي وضبط أوعيته .
إن الأخذ بهذه الرؤية من قبل المؤسسات الحكومية والدوائر ذات العلاقة وضبط إيقاعها سوف يؤدي في اعتقادي إلى معافاة الاقتصاد العراقي وتجاوز أزمته الخانقة إلى ما فيه خير البلاد والعباد .