اعمدة طريق الشعب

ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليس فيه !! / عبد السادة البصري

منذ أن نشره السيّاب وهذا المقطع الشعري يُعبّر تعبيراً حقيقياً عن معاناة العراقيين في كل سنةٍ تمرُّ عليهم مليئة بالعذابات والأسى والقلق ... مرَّ ببالي حين جلستُ أفكّرُ كيف سأقضي ليلة الميلاد وأنا حائر بكيفية تدبير مبلغ إيجار البيت للأشهر الثلاثة الأولى من السنة القادمة ؟؟!!. قلتُ في نفسي :ــ أنا موظف في إحدى دوائر الدولة ولا أملك شبراً يؤويني وعائلتي ، فكيف بالآخرين الذين يفترشون الرصيف ببسطاتهم يبيعون ما يسدّ رمقهم اليومي ،و الذين بلا أي عمل ما كيف سيتدبرون أمور سكنهم وعوائلهم تحت ثقل الإيجار والمأكل والملبس وغيرها، بل كيف سيقضي السنةَ مَن لا سكن له غير خيمةٍ متهرئةٍ تغرقهم الأمطار شتاءً وتكويهم حرارة الشمس صيفاً ؟!
مرّت في خاطري لحظتها ذكرى عشتها في ليلة رأس السنة عام 1984 حيث كنت وأصدقائي الذين يدرسون معي في الجامعة ،(شلّة الصعاليك ) آنذاك (عماد، فرمان، ظافر، عدي، حارث، سمير، وأنا ) سبعة شبّان يحلمون بغدٍ أفضل ومستقبل خالٍ من الحروب والخوف والخراب ، اتفقنا أن نقضي تلك الليلة نمشي في شوارع بغداد من الكرّادة حتى ساحة الميدان سهرانين للصبح لأنها كانت آخر ليلة رأس سنةٍ تجمعنا معاً وبعدها بأشهر سنتخرج ويذهب كل واحد الى غايته ، جلسنا وتنادمنا وغنّينا وتمنيّنا أن تتحقق أحلامنا وان لا تُبعدنا الأيام ولكن ــ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ــ ما أن انتهت السنة الدراسية حتى تفرّق شملنا بين العسكرتاريا والسجون والمنافي والموت ، فرمان أكلته الحرب اللعينة ، وعدي ضاع في زحمة الأيام ، وعماد وحارث وظافر هاجروا ، وسمير انقطعت أخباره ، وأنا دخلت السجن ، فصارت تلك الليلة علامة فارقة في ذاكرتنا ، وهاهي الليالي نفسها منذ أن وعيت على هذه الدنيا والعراق لم يشهد سنةً واحدةً ترفرف في سمائه طيور السعادة ولم يرَ شمس حريةٍ ترسل خيوطها تباشير محبة !
الديكتاتورية أخذت من أبنائه وفرحه الكثير ، وحينما أشرقت الشمس وانقشعت الغيمة السوداء عن سمائنا انفرطت خيوطها من بين أصابعنا وصرنا نتلمس دروبنا عبر دهاليز مظلمة ينعب فيها البوم ويعرّش على أفيائها القلق والخراب والموت بالمجَان!!
البارحة قلّبت المواجع كلها لأصل الى هذه السنة التي سنودّعها بعد أربعة أيام ،، ماذا جنيتُ من فرحٍ والحزن ما انفك مخيماً على كل البيوت ؟! أين السعادة وأنا أفكّر بكيفية تسديد الإيجار كما يفكّر العديد أمثالي الآن ؟! لا مأوى ، ولا عيش رغيد ،وأقدامنا أتعبها الركض وراء لقمة العيش ، والخوف من المجهول يرسم دوائر من دخان السيجارة ، فبأي سنةٍ ستتحقق الأمنيات ؟؟!!
لكنني استدركت بعد هذه السرحة العميقة أن كل الأحلام والأمنيات ستتحقق وتكون ملموسة وواضحة للعيان إذا فكّر الساسة والمسؤولون بجدٍ وبانتماءٍ حقيقيٍ للناس والأرض ورمَوا بكل ما حملوه من تباغض وتطاحن وأنانية وفئوية ومحاصصة جانبا وفتحوا قلوبهم للمحبة ونكران الذات ونبذوا الطمع جانبا وجلسوا يخططون بكيفية إسعاد العراقيين الطيبين بطوائفهم ودياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم كافة وتعاضدوا يداً بيد ليبنوا وطناً حراً مزدهراً ينعم بالسلام والأمان والمحبة ليعيش الناس بكل أرجائه سعداء مبتهجين يغنّون للفرح والخير أحلى الأغاني ، وكل عام والعراق وأهله الطيبون بألف خير !!.