اعمدة طريق الشعب

عُنف / قيس قاسم العجرش

جريمة قتل أفراد آمنين في الشارع وأمام أنظار المارّة ووسط عاصمة البلاد، هي جريمة إرهابية بامتياز. لا تنفع معها أية مظلّة أو(تخريجة) تقال همساً تتهم هذه الجهة أو تلك. وطالما ليست لدينا أية معطيات رسمية وواقعية في هذا الشأن فليس أمامنا أيضاً إلّا انتظار نتائج التحقيقات التي ستجريها الجهات المسؤولة حتماً.
لكن علينا أن نتوقف قليلاً عند كلمة «مسؤولة».
«المسؤولية» هي واجب، وحمل، وثقة تتقلدها المؤسسة الرسمية أولاً. ومن مجموع المسؤوليات يمكن لنا أن نقول إن لدينا حكومة ودولة، هكذا تجري الأمور ببساطة في كل المجتمعات التي أسست لديمومتها، أو تلك التي تسعى جاهدة الى ترسيخ هذه الاستدامة.
وكلمة «مسؤولة» تحمل أيضاً جانباً غير قليل من معاني مفهوم(الدَين)، فهي(مَدينة) للناس والرأي العام بالتفسير والمكاشفة. صحيح أن الإجراءات الرسمية والتحقيقية يجب أن تأخذ حيّزها السرّي والعلني كما يقتضي عمل الجهات المسؤولة، لكن في النهاية على هذه الجهات مكاشفة الرأي العام، واطلاعه على حقيقة ما جرى وفي تلك اللحظة سنتبنى، كصحافة ورأي عام، تلك المعلومات باعتبار أننا لا نشك في نوايا الجهات المسؤولة في أن تؤدي واجبها.
للأسف فإن سجل الجهات الأمنية الرسمية في العاصمة بشأن المكاشفات، هو سجل غير مفرح ولا يدعو الى التفاؤل. وبالإمكان تسطير قائمة طويلة من حوادث الاعتداء الإجرامية وتواريخها إزاءها من تلك التي حدثت في مناطق سكنية آمنة ومستقرة، لكن «الجهات المسؤولة» لم تتكلف فيما بعد عناء التفسير والإيضاح وعرض نتائج التحقيق.
وهذا مؤشر لخلل، وسنّة في التعتيم تحاول هذه الجهات أن تستمر عليها، دون أن تعرف أو تدرك أن للناس حق المعرفة والاطلاع، وهو حق لا يسقط ولا ينتقص. ودائماً ستكون الجهات الحكومية مدينة ومطالبة بالإيضاح. وهذا ما يجب ان يكون هو المعتاد في العلاقة بين الحكومة والرأي العام. هذه ليست حاشية زائدة من زوائد الترف الديمقراطي، إنها أساس عقد العلاقة بين الحكومة والناس، والمعقود وفقاً للدستور النافذ.
تتصور الجهات المسؤولة انها بانتهاج سياسة الإخفاء، أو الإهمال، أو إلهاء الرأي العام عن حصوله على إجابة فإنها تحمي نفسها من اتهامات التقصير المُمكنة، وأظن أن العكس هو الصحيح. ففي ترك أسئلة الناس سائبة بلا إجابة، فإنها تترك الباب عملياً مفتوحاً أمام الإشاعة، والتكهنات، وأن يدلي كل من يريد برأي ويسوقه على إنه هو الحقيقة.
أليس من الأفضل مصارحة الناس؟...متى ستبدأ برأيكم عملية بناء الثقة هذه؟...ألا ترون أن الوقت قد تأخر كثيراً.