اعمدة طريق الشعب

منحة الصحفيين.. يا ( عتاوي ) المال والسلطة! / حسين الذكر

تساءلت عن سبب غياب المتسولة كبيرة السن التي تعودت أن اراها واعطيها مساعدة انسانية بسيطة ، يفرضها الواقع والموقف ، فضلا عن الدين والتربية الاجتماعية ، وقد سالت صديقا قريبا من موقع التسول ، لعله يعرف عنها شيئا ، قائلا : ( يقال ان الفضول سيئ ، الا عند الاعلامي ، فإنه يعد مطلبا اساسيا في المعرفة وان كانت من باب الفضول او شيء من التطفل ، واردت أن استفهم عن الفقيرة التي كانت تجلس هناك. لقد اختفت منذ مدة ) . بعد ضحكة بريئة قال : ( والله يا أستاذ انت الفقير ، فان هذه الحاجة تنتمي إلى اسرة معروفة كلها بالاستجداء ، مشغولة الان ببناء بيتها ( دبل فايلوم ) بعد ان هدت البناء القديم وقرروا تغييره ) ..
بصراحة لم احزن على كل المساعدات التي قدمتها اليها ، لأنها ستبقى فقيرة في نظري ، لو ملكت العالم كله. ، وبداخلي احسست بالفرح لأنها متمكنة ، وكم تمنيت ان يوفقها الله وتكتفي بهذا القدر من التسول وتعيش حياة كرامة تليق بالانسان الحر . فيما كنت اتقلب بين فصول مشهد ملف الاستجداء في العراق وما يشكله من ازمة مجتمعية خطيرة ، حصرنا في احدى السيطرات العسكرية التي وان قُلصت في بغداد ، لكنها ما زالت تشكل ضغطا نفسيا كبيرا على المواطنين ،فضلا عن استغلالها من قبل البعض لمصالحهم الشخصية ، التي ابتلي العراق وشبعه بهم وبمصالحه التي لا تشبع ولا تمل . وبعد تأخر وانتظار سأل سائق الباص الذي كنت فيه شرطي السيطرة عن سبب الازدحام ، فقال : ( والله ضايجين ، نضيع وقت ) .
حينما وصلت الى مقر عملي الصحفي سألني الزميل هادي جلو مرعي عن كيفية حصولنا على قرض لامكانية تحسين وضع السكن الذي نعانيه . فهو يعيش في ارض زراعية بقرية بعيدة عن موقع عمله وما يعانيه يوما جراء ذلك ، مع انه كاتب كبير ومتميز ، ولديه اسرة ، لم يتمكن - كحالي برغم بلوغي العقد الخامس - ان نحصل على قطعة ارض ولو مائة متر ، نبني عليها بيتا نحس فيه بانتمائنا الى وطن قدمنا له كل شيء دون ان نحصل من حكوماتنا على ما يمكننا من العيش بكرامة ، في بلد اصبح اغلبه نهبا للطارئين والحيتان والعتاوي ... وما اكثرهم ، وقد اضحكني موضوع السلفة ، اذ سمعت انهم سيسلفون المواطنين ثلاثة ملايين دينار لا تهش ولا تنش ولا تحل اي من مشاكلنا الاقتصادية او الاجتماعية المتلازمة . علما ان المتقدم سيقضي وقتا في التوسل حد التسول لجهات مصرفية او غيرها للحصول على المبلغ المذكور ، وعلما ان الحيتان سيقتطعون حوالي عشرة في المائة منه لجيوبهم خارج القانون ، مقابل تمشية معاملة ، لا يمكن ان تمشي في عراقنا الديمقراطي ، الا بإحدى الطرق الثلاثة المعتادة: ( واسطة او تهديد او رشوة ) في اغلب المؤسسات .
ونحن نعيش تحسن ارتفاع اسعار النفط بما يقارب الستين سنت للبرميل وما يعنيه من ارتفاع وتحسن في الواردات والميزانية ، ما زالت جهات بعينها تعرقل صرف منحة الصحفيين والادباء التي تبلغ حوالي ستين دولارا شهريا. وكانت تدفع سنويا ، وهي برغم شحتها الا انها تشكل حافزا ودافعا وسندا معنويا وماديا للمستفيد في ظل ظروف التقشف القاهرة والصعبة جدا على المواطنين . في وقت اصبح فيه اغلب المسؤولين منتفخي الاوداج والكروش والجيوب واملاكهم تتسع فوقيا وتحتيا وارصدتهم ومحسوبياتهم ومناصبهم .. تتسع على طول بلادنا المنهوبة وعرضها.