اعمدة طريق الشعب

نوافذ معتمة .. حياة معتمة !/ عماد جاسم

لم تهدأ حناجر الخبراء الامنين ورجال المرور من تكرار التحذير من تفاقم اعداد السيارات التي لها نوافذ معتمة او سوداء تحجب النظر. فهذا من وجهة نظرهم انتهاك للضوابط الامنية في منعها العناصر الامنية من معرفة الراكبين. وعند التقصي عن مخاطرها, اتضح ان نسبة تتجاوز الستين في المائة من حالات الخطف والقتل تحصل بواسطة عجلات معتمة كهذه او تلك التي لا تحمل لوحات ترقيمية. والملفت للنظر ايضا ان عدد التعليمات الصادرة من دوائر المرور والأجهزة الامنية بمنعها ومعاقبة سيرها تتجاوز العشرين امرا او اصدارا خلال السنوات الست الاخيرة، فيما تتعاظم بالمقابل اعداد تلك السيارات المخالفة قانونا. لكن حضورها التسلطي يجبر مختلف شرائح المجتمع على احترامها او لنقل خشيتها, بل وتسهيل مرورها في اغلب المداخل والسيطرات.
والفكرة السائدة والمهيمنة ان سائق تلك العجلة او الراكب في كرسيها الخلفي وهو من اصحاب النفوذ , او اصحاب النقود , او من اصحاب الجاه السياسي او الديني او العشائري. وهو بذلك قادر على معاقبة اي رجل مرور او عنصر امني يسأل مجرد سؤال عن هوية الراكب المحب لعتمة النوافذ، او المحب للانزواء خلف ظلمتها خجلا من عيون الكادحين او فضول العراقيين!
ضابط في دائرة المرور يقول لي سرا, ان اعداد تلك العجلات اليوم مرعبة. ففيما كانت سابقاً تقتصر على النواب وحماياتهم والوزراء وزوجاتهم والسياسين واقاربهم والمدراء العامين ومن بدرجتهم , تجاوز ذلك ليصل الى تجار وصحفيين مقربين من السلطة وشيوخ عشائر و..و...و.. حتى بات الحديث عن منع تلك الظاهرة نوع من السخرية!
باحث نفسي يصف هذا التعلق غير المبرر من قبل السياسيين والمتنفذين بتعتيم نوافذهم والسير في شوارع المدينة دون ان يعرفهم احد , بأنه انعكاس غير معلن لعتمة الضمير او الخجل من التحديق في عيون الناس , او هروب من مسؤولية اخلاقية او وطنية .. والا فما معنى ذلك التخفي ؟؟ من منا يحب ان تكون حياته معتمة ؟؟
وبعيدا عن التحليل النفسي الذي قد لا يصح على الكل, نريد البوح بروح من العلانية العقلانية التي تهدف الى ترسيخ مبدأ المواطنة وحقوق الانسان وتغليب المصلحة العامة.
لا بد من خضوع السيارات الفارهة إلى الانظمة الحكومية الرقابية ولا بد من احترام القانون ولا بد من اعلان مبدأ الوضوح، ليكون منهجا للعدالة ولتحجيم سلطة العتمة بكل مسمياتها!