اعمدة طريق الشعب

تلميع الألوان الباهتة / قيس قاسم العجرش

الـ»لامشروع»، هو العنوان الأقرب للواقعية، الذي تستحقّه القوى السياسية التي تحكّمت بالعراق خلال سنوات ما بعد نظام البعث.
نعم كانت قوى منتخبة (وما زالت منتخبة)،لكن «الشرعية» لا تنتهي عند حيازة وصف(منتخبة)، وينتهي الموضوع الى هنا.
الشرعية تعني تطبيق الشريعة السياسية للبلاد، وهذه لها اسم واحد لا يمكن تغييره، وبدونه سنكون عملياً بلا دولة. إنّه الدستور!
أما مشروع هذه القوى الفعلي فينتهي بالوصول الى السلطة، ومن ثم التشبث بكل ما تؤتيه هذه السلطة.
خالفت هذه القوى الدستور، روحاً ونصّاً. خالفته تطبيقاً وفهماً. خالفته في المواد المتعلقة بمستقبل وحدة أراضي العراق، مثلما خالفته في المواد المتعلّقة بالحريات العامة والخاصّة. خالفته في التوقيتات، وخالفته في الإجراءآت.
وبعد..؟
أعاد الناس إنتخاب معظم هذه القوى، ومع هذا فما زلت أصرّ على أن الشرعية ليست إنتخاباً فقط. ليس لأن الناس أساؤوا القرار مرّتين أو ثلاثاً، إنما الذي حدث هو تعرّض الرأي العام الى عملية واسعة النطاق من تدمير الأسس الإقتصادية والقيمية التي يستند عليها المجتمع.
تركوا الإقتصاد العراقي يتآكل في الإنتاج، ويعتمد بطريقة متفاقمة على ريع النفط، وأهملوا عن عمد أي مؤسسة انتاجية مملوكة للدولة، كان متاحاً لها أن تلبّي بعضاً من حاجات السوق المحلية. وفي المقابل، صارت الوظيفة الحكومية بمثابة جائزة تقايض بها القوى السياسية المواقف لصالحها، ورسّخت في عقول الناس هذه السوءة.
كل هذا وجوانب أكثر، ساهمت بالتأكيد في جعل يوم الإنتخاب يوماً ضبابياً، لا يعرف الناخب فيه أن قراره متعلّق أصلاً باختيار الطريقة التي سيدار بها البلد، وهو ليس يوماً للإنتقام من الإرهاب، ولا هو يوم لنصرة الطائفة هذه بوجه الطائفة تلك.
الإنتخاب هو قرار لا علاقة له بالدين، أو بالعقيدة، أو العِرق، أو بالقومية. لكنهم أرادوا تضمين كل هذا في رقم القائمة. وأرادوا ان يجعلوا الناخب قلقاً على مستقبل هويّته الطائفية أو القومية أو وجوده الشخصي العائلي يوم الإنتخابات، وبالتالي سينتخب مرشّحهم.
اليوم، سيعيدون اللعبة، وعبر قانون للانتخابات غير واضح المعالم. لكنّه سيكون واضحاً بالنسبة لهم، لأنّهم أساطين هذه الزاوية الميّتة المظلمة، التي حرصوا على بقائها مظلمة مبهمة لا شفافية فيها.
اليوم نراهم يبحثون عن مُلمّعات لفظية (مدني، ديمقراطي، أغلبية سياسية)، ثبُت بالتجربة إنها لا تعني أي شيء في عُرف القوى المتحكّمة بمقدراتنا الآن.
ومن جهة أخرى، سيشترون وجوهاً غير معروفة ليقدموها على أنها نتاج تمدّنهم المُفترض، وديمقراطيتهم، التي يدّعونها زيفاً.
هؤلاء بحاجة الى ردع جماهيري حقيقي. ردع يجعل النوم الهانئ بالنسبة لهم حلماً.
والشعب العراقي وحده من يقرر زمان ومكان هذا الردع.