اعمدة طريق الشعب

مُناَوَرةُ .. مُناَوَرَاتْ ! / يوسف أبو الفوز

كان جَلِيل غارقاً في حديثٍ متشعب مع صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، يستعرضُ له أخر التطورات السياسية في البلاد، وقد وركز على الانتصارات الأخيرة للقوات المسلحة العراقية، بكل صنوفها، في المعركة ضد عصابات داعش وقوى الإرهاب في محافظة نينوى. وثم عرج على اقتراب موعد الانتخابات لمجالس المحافظات، وملاحظة مُناورات بعض القوى السياسية في طرح مشاريعها بثوب مدني، وهي في حقيقتها تعبير عن الازمة المتواصلة وفشل النظام السياسي الطائفي التي هي جزء فاعل منه. كذلك مواصلتها تجاهل حاجة البلاد الى الاستقرارالسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما يؤسس لدولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، ويحدث قطيعة مع النهج الطائفي والاثني الذي حكم البلاد طيلة السنوات الماضية، وتسبب في ازمة بنيوية شاملة .
وتدخلتُ في الحديثِ للاشادة بمواصلة جماهير شعبنا وعلى مدى الأشهر الطويلة الماضية ، ورغم الشهداء والضحايا ، هبتها الاحتجاجية على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، ومناداتها بإصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة، ومحاربة الفساد وإبعاد الفاشلين عن مراكز القرار.
قالت زوجتي غاضبة : ان القوى المتنفذة تواصل صم اذانها وتتجاهل مطالب الناس المحرومة من خيرات الوطن المنهوبة من قبل الفاسدين، وان فشل هذه القوى السياسية المؤيدة لنظام المحاصصة تعبر عنه بوضوح مواقفهما العدائية من الحراك السلمي الجماهيري .
تدخلت سُكينة في الحديث وقالت أن هذا الموقف العدائي من الحراك السلمي ماهو الا تعبير واضح عن حقيقة هذه القوى وانعكاس لطبيعتها وايضا يعبر عن عمق مخاوفها من امكانية تأثير الاحتجاجات السلمية. فهم يخشون النتائج، خصوصا التي ستؤدي الى ازاحتهم من مواقعهم بشكل ما، فيخسرون عندها كل المواقع والامتيازات. ولهذا فانهم لا بد ان يعبروا عن خوفهم ، ومن هنا تظهر مناورات البعض منهم لتوحيد قواهم ومنها سعيهم حتى لسرقة شعارات الاحتجاج السلمي والحركة المدنية.
قالت زوجتي : من هنا اعتقد ان رأي جَلِيل صحيح جدا، بأن القوى المدنية التي تنشد التغيير الحقيقي في بلادنا لابد ان تؤسس لاصطفاف اجتماعي وسياسي قادر على احداث تغيير في موازين القوى. فبسبب الخوف من هذا التغيير القادم ونتائجه، وحسب تجارب السنوات الماضية التي بانت للناس بشكل واضح، فان الفرقاء المتنفذين مهما اختلفوا، فانهم حين تتهدد مصالحهم سيلتقون ضد مطاليب ورغبة الشعب !
ضحك أَبُو سُكينة وقال: يا بنتي وكأنك بقلبي. البارحة كنت اتذكر سالفة عن العلاقة بين بعض سياسيي الصدفة عندنا وبعض من أصناف الحيوانات في الغابة، التي تعيش بقوانينها. فأذا اختلفت هذه الحيوانات، دخلت في عراك فيما بينها، تخرب به الغابة وتسلب راحة كل ما حولها. واذا اتفقت، أجتمعت وأكلت كل الثمار من حولها وحرمت الآخرين منها، بل وتطردهم وتترك فقط فضلاتها في المكان!