اعمدة طريق الشعب

حان اوان الاعتذار! / عماد جاسم

كان يوجه الكلام لنا .. انصاتنا لا يخلو من الريبة والشك ..وهو يعضد حديثه بالقسم والشواهد المتعددة ..
(وداعة اولادي احنا شايفين الضيم ) .. هذا المتكلم لم يكن عامل بناء يخرج فجرا باحثا عن اجرة يوم يسد بها رمق العيش، ولم يكن متقاعدا يبحث عن عمل ليتمكن من تسديد اجور دراسة بناته .. انه برلماني يحاول اقناعنا ان يومياته تثير الشفقة وتدعو الى الحزن! فبعد ان كان استاذا جامعيا محترما من قبل الناس في مدينته الدينية.. ويحظى بشعبية معقولة لما له من ثقافة وتاريخ علمي ومهني مشرف , بات اليوم موضع سخرية واستهجان .. معللا ذلك ان العراقيين يعشقون التعميم , ويتمسكون بالصورة النمطية، متناسين ان داخل قبة البرلمان الكثير من الوطنين والشرفاء .. ربما كان حديث صاحبنا صائبا نسبيا .. فالناس تميل وفق الطبيعة المجتمعية ان تستسهل في تقييمها رسم صورة سائدة، ولا تعكر مزاجها بإيجاد الاستثناء او تتعب عقلها بالبحث عن ما هو شاذ عن قاعدة ما .. فالقاعدة المتفق عليها اليوم مجتمعيا ان اغلب السياسيين بلا ضمير ويفتقرون الى الرحمة ويتصارعون على جمع المال ومنحازون الى مبدأ فرض النفوذ والسلطة مهما كانت التبريرات .. وهو ما يرفضه النائب المتباكي على حاله والمتأسف على تاريخه وسمعته..!
الملفت انه مثل الكثيرين ينتقد شعبه على تلك القسوة في رسم الصورة النمطية والتعميم , لكن ليس له القدرة على اخراج نفسه من دائرة النقد والتوبيخ .
كثيرة هي الفرص المتاحة لإثبات نوايا حسنة تجاه الناس ومظالمهم .. وكثيرة هي المواقف التي يمكن ان يثبت فيها اي نائب او سياسي موقفه الوطني والإنساني .. لكنها دوامة الملذات وحلبة نزال بين الضمير وشراهة الاستحواذ! تلك العجلات الرباعية الدفع والتي يعادل سعرها رواتب اربعين موظفاً لمدة عامين .. وذلك العدد من عناصر الحمايات والشوارع المفتوحة دوما للمركبات الصارخة بوجوه الكادحين والقصور والعقود المبرمة مع شياطين الفساد تمنع العودة للضمير او تحكيم العقل وتغليب الرحمة ... لانها امتيازات تقتل التبصر والرحمة ..
قوانين وتعليمات زيادة رواتب النواب التي يتم الحديث عنها اليوم لا تجعل ثمة شكاً ان هناك استخفافاً بأوجاع الناس.. لا تترك ثمة شكاً ان التصريحات الوطنية وتحقيق العدالة فارغة من مضمونها وهي للاستهلاك الاعلامي .. لان آخر الدراسات الميدانية الحكومية تشير الى ان اكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر, وان هذه النسبة من العوائل تحصل على ما يقرب من دولارين ونصف يوميا اي ثلاثة آلاف دينار عراقي فقط.. !! وان نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الثلاثين بالمائة .. وان حالة الاحباط الجماعية تشكل تهديدا وهي تنعكس في ارتفاع مخيف لتعاطي المخدرات ...
ترى ألا يجدر بهذا النائب المتباكي ان يعتذر من تاريخه .. ويعتذر للعراقيين لأنه لم يكن وفياً لأصواتهم ,, هل يمكن ان يحدق في مرآة الروح ذات صباح باحثا عن اسباب مقنعة لهذا التغوّل وانعدام الحس الانساني بمصائب الناس ..؟