اعمدة طريق الشعب

قانون الضمان الصحي ..طموح مشروع ..ولكن! / د. سلام يوسف

أحالت رئاسة الجمهورية مؤخراً مسودة قانون الضمان الصحي الى البرلمان للتصويت عليه، علماً أن المواد (30و31و32) من الدستور العراقي الدائم الذي تم التصويت عليه من قبل الشعب العراقي في عام 2005 ، تقر بمسؤولية الدولة عن توفير كل مستلزمات الرعاية الصحية.
إن قانون الضمان الصحي هو أحد ثمرات نضال الشعوب من أجل أن تحيا حياة مستقرة صحياً، وليس للأنظمة الحاكمة أي فضل في ذلك ولكن تطبيقه تعتريه الكثير من العقبات المتعلقة أساساً بالطبيعة السياسية لهذا النظام أو ذاك، والتطبيق المتعثر تجده واضحاً في الأنظمة الدكتاتورية أو البرلمانية المزيفة أو في تلك الدول التي تحكمها مصالح الشركات الكبرى.
ومن الانصاف نتطرق الى منجزات الحكومات الشعبية في مجريات التاريخ فالوثائق التأريخية الموثوقة تحدثنا عن منجزات ثورة 14 تموز 1958 التي ارتقت بالمستوى الصحي وبالرعاية الاجتماعية الى مَدَيات متقدمة تعد اليوم طفرة نوعية على مستوى الإنجاز الوطني رغم محدودية المعرفة العلمية والتكنولوجية الصحيتين قبل ستين عاماً، ومع ذلك فقد أنجزت الثورة آلاف المشاريع الصحية في فترة قياسية في الريف والمدينة وارتقت بصحة المواطن ضمن برامج وخطط مدروسة، حمته وصانته من أمراض عديدة فتاكة متوطنة، وفتحت مراكز التأمين الصحي في مئات الأقضية والنواحي وغيرها، ولم يكن ذلك ليتم لولا الإرادة الوطنية الحقة التي امتاز بها القائمون على القرار في أيام الثورة المجيدة وكذلك الاستثمار الوطني الغيور لثروات البلد.
لقد أثبتت المعطيات العلمية ضرورة توفر مقومات إنجاز التأمين الصحي واستمرار أدائه، ومن أهم تلك المقومات الاستقرار الأمني وبسط قوة القانون وشخصيته المعنوية في تسيير أمور المجتمع، إضافة الى الأموال اللازمة، فالتأمين الصحي بحد ذاته يعد مشروعاً خدمياً تنموياً لا يمكن تطبيقه الاّ بتضافر الجهود كافة، ناهيك عن الخطط الاستراتيجية القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، ويتطلب كذلك الانتماء بالقول والفعل إلى قضايا الوطن من قبل كل العاملين في القانون تشريعاً وتطبيقاً، ويجب أن يستهدف بالدرجة الأساس الى جانب كل طبقات الشعب، الشريحة الأوسع والأكبر في المجتمع الاّ وهي شريحة ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين والعاطلين عن العمل.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المقومات الفعلية متوفرة حالياً من أجل تشريع وتطبيق وتنفيذ قانون كهذا يعد العمود الفقري في حياة الشعب؟ فالأوضاع الأمنية متهرئة والاقتصادية متفسخة والاجتماعية تعاني التشظي، والناس تشهد سطوة المليشيات، وغياب القانون وتمدد الفساد الإداري. اين هي البنى التحتية الملائمة لتطبيق قانون كهذا ؟ أم أن الموضوع برمته يدخل في خانة رمي الكرة في ملعب وزارة الصحة التي تعاني الأمَرَين من ضيق ذات اليد في تنفيذ مشاريعها القديمة، وبالتالي ليقولوا للشعب، لقد وفرنا لك القانون ، فأنت وربك يا موسى!
ان الصراع سيكون على اشدّه في تأمين العدالة الاجتماعية في تطبيق هذا القانون، بل أستطيع القول جازماً أن هذا القانون وفي ظل الظروف غير الملائمة الحالية أعلاه، سيكون مشروعاً (فاخراً) يقدّم على طبق من ذهب للفاسدين والمفسدين وعرساً انتخابيا ليس الاّ!
ما اوردته اعلاه لا يشمل الدخول في تفاصيل القانون وما تتضمنه طياته من ضوابط يجب ان تكون في صالح السواد الأعظم من السكان.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل يتم تشريع هذا القانون لكي يجري ضمه الى قائمة القوانين الكسيحة المعطلة عن التنفيذ الفعلي، أم الغاية خدمة الجماهير خدمة فعلية ليتمتع المواطنون بخيرات بلدهم وليشعروا بالأمان الصحي بعد أن فقدوا الأمان الأمني!