اعمدة طريق الشعب

سياسة التقشف الحكومية هل يمكن اعادة النظر فيها ؟ / محمد عبد الرحمن

اينما تولي بصرك متسائلا عن هذا المشروع او ذاك ، هذه الخدمة او تلك ، ياتيك الجواب قاطعا جاهزا بانها توقفت بسبب قلة التخصيصات ! ولا احد يقول لك متى توقفت ، ومن اوقفها فعلا ، واين ذهبت الاموال المخصصة؟ وهل حقا انها اوقفت ؟
يشمل هذا العديد من المرافق والمشاريع والخدمات ، حتى باتت الدولة ومؤسساتها تتفنن في جباية الاموال من المواطنين. خذوا مثلا الصحة وما ادخلته من رسوم على المواطنين ، وما حصل من ترد مريع في خدماتها، يدفع المواطن دفعا الى طرق ابواب العيادات والمشافي الخاصة ، وما تكلفه من مبالغ كبيرة تفوق طاقة من معدل راتبه لا يزيد عن 300 الف دينار شهريا!
الحكومة اوقفت بالفعل المشاريع الاستثمارية الجديدة ، لكنها لم توقف المشاريع التي حققت تقدما معتبرا، وانما عملت على اكمالها وخصصت لها ما يقرب من ربع موازنة 2017. فهل هي اكملت حقا او في طريقها الى ذلك، ام ان الفساد عصف بتلك المبالغ ؟ هذا ما يتوجب ان تقوله وزارة التخطيط وتعلنه جهارا. وهنا ، وفيما يخص المشاريع ، لا يتعلق الحديث بتلك الفاشلة والمتلكئة التي كلفت الدولة ما يقرب من 300 مليار دولار ، ولا عن المسؤول عنها، وكيف صرفت ، واين ذهبت وجلها قبل سنة 2014 ؟
وهناك حقائق اخرى لا يجري الحديث عنها، خصوصا من جانب الحكومة ومؤسساتها المالية ، بل ولا يتطرق اليها حتى النواب . وهذه الحقائق ترتبط بالمتغيرات الاتية :
اولا - في سنة 2014 كنا نصدر من النفط الخام ما يقرب من 2,5 مليون برميل يوميا ، والان يصل المصدر من النفط حسبما هو وارد في الموازنة 3,750 مليون، وبضمنه ما يصدر من كركوك والاقليم ( 550 الف برميل يوميا )، وقد يقرب تصدير نفطنا الآن من 4 ملايين برميل .
ثانيا - صحيح ان سعر النفط هبط بعد منتصف 2014 ، لكنه عاد الان الى مستوى يقرب من 55 دولارا للبرميل كمعدل . اي بحدود 48 دولارا للبرميل بالنسبة للنفط العراقي ، في حين ان سعره المقدر في موازنة 2017 يبلغ 42 دولارا للبرميل .
ثالثا - اضيف أمر اخر وهو قيام العراق بتصدير الغاز. وللعلم تتوجه وزارة النفط الى رفع إنتاج البلد ككل من الغاز المصاحب إلى 2 مليار قدم مكعب يوميا بحلول عام 2018 .
صحيح انه من جانب اخر ارتفعت نفقات الحرب، وذكرت وزارة التخطيط انها بلغت ما يقرب من 40 في المائة من مجموع النفقات. لكن لنتذكر ان موازنات الدفاع والامن لم تقل في جميع الموازنات السابقة عن 25 في المائة .
نخلص من هذا الى ان هناك متغيرات في ايرادات البلد ، وذلك مؤشر ايجابي في كل الاحوال. لكنه ليس بالطبع المعول عليه، لان اسعار النفط لا تستقر على حال. ولكن ومع هذه المتغيرات هل من معنى لاستمرار التشكي من شحة الموارد وضرورة التقشف والضغط على المواطنين وخاصة الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود ؟ وهل حقا ان هذه المتغيرات لا تدعونا الى اعادة النظر في سياسة الاقتراض، خاصة الخارجي، وعدم الاسراف فيها ، ومثلها الدفع بالاجل ، الذي يشكل ايضا ديونا متراكمة ، عليها فوائد مكلفة؟
واخيرا .. الا تدفع هذه المتغيرات الحكومة الى التفكير في اعادة النظر في موازنة 2017 وما ترتب عليها من اجراءات ، وتقديم ملحق لاقراره في مجلس النواب، كي لا تضيع الاموال التي تردنا بفضل تلك المتغيرات ، مثما ضاعت الاموال في موازنة 2014؟!