اعمدة طريق الشعب

استمعوا أولاً...كولن باول / قيس قاسم العجرش

الوزير الأميركي الأسبق، الجنرال رئيس هيئة الأركان المشتركة كولِن باول، كان(وربما مازال) يمثل صوتاً آخر من(العقلانية الممكنة في أجواء الحرائق!)، على حد تعبير نيويورك تايمز.
لكن، لماذا كانت هذه العقلانية «ممكنة»، بدلاً من أن تكون «راسخة»، أو «عميقة»؟ كانت ممكنة فقط لا غير، لأن كولن باول محكوم بسلوك الجندي في النهاية، الطاعة والتنفيذ والتفاني. صحيح أنه كان يوصف بكونه رأس المعتدلين في طاقم الرئيس جورج بوش، لكن هذا لا يكفي كي تكون عقلانياً، أو إنّه إشارة مركّبة الى»لا عقلانية» إدارة بوش التي هيمن عليها المحافظون الجدد، ثم رغبوا بوزير(معتدل) للخارجية، يلمّع تشددهم الذي يحاولون إخفاءه بصعوبة.
مع هذا، فقد كان تشخيصه لما حدث في العراق بين عامي 2003و2011 الأقرب للحقيقة من كل ما كانت إدارة أوباما تتصرف وفقاً له.
يحمل كولن باول تقييماً إيجابياً للجنرال بيترايوس لأنه «كان يذكّر الجميع على طول الخط بأن الحل في العراق لا يمكن أن يكون حلّاً عسكرياً فقط».
لكن إدارة أوباما لم تفهم (نعم لم تفهم!) هذه الحقيقة، بل فهمت جزءاً منها. كانت تقارير 16 جهازاً أمنياً أميركياً تقول إن العراق يواجه نسخة معقّدة جداً من الحرب الأهلية بعد تفجير قبّة سامراء. وكانت تتحدث عن بدائل للقوّة، تكون أقل كلفة. وكانت التقارير تتحدث (ومعها كولن باول يتحدث) عن الترابط الإقليمي بين المشكلة العراقية وباقي مشاكل المنطقة (التي قرر أوباما أن يمنحها جرعة عالية وصادمة من التخدير) لكن لم يسمع أحد.
أذكر أن لقاءً جمعني مع الزميل رؤوف أرناؤوط، وهو المستشار الصحفي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، تطرّق الى موقف الولايات المتحدة من القضايا الإقليمية، وكيف أن كل دول الإقليم لديها ملفات عالقة تنتظر الحل مع واشنطن. وبينما هي تنتظر، حدث الغزو الأميركي للعراق. وفجأة أصبح بإمكان هذه الدول الضغط على الولايات المتحدة (التي لا تعترف في العادة أن هناك ضغطاً عليها ولا تتقبله بالمرّة). يقول أرناؤوط: إن افضل إدارة أميركية من حيث التعامل مع المطالب الفلسطينية كانت إدارة بوش، حيث إنها الوحيدة التي ذكرت ان الحل المستقبلي للنزاع في الشرق الأوسط يتضمن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة. وحين سألتُه: من في الإدارة الأميركية تعامل بهذه النظرة؟ أجاب بأنّه كان تصريحاً واضحاً من كولن باول.