اعمدة طريق الشعب

بغداد للكتاب..بغداد للمعرفة / قيس قاسم العجرش

معرض بغداد للكتاب هذا العام يشكل دفعة ممتازة للثقافة في العراق. نعم، سيكون صحيحاً كل ما قيل عن بعض الهنّات في التنظيم، أو الإجراءات، أو مستوى المشاركة الدولية، لكن يبقى أمراً مهماً- بل مفرحاً- أن الناس في عصر التواصل البيني الألكتروني مازالوا يطلبون الكتاب، ويسعون اليه، وتمتلئ أرض المعارض بالروّاد حين يسمعون عن كتب جديدة، أو اصدارات حديثة صارت في متناول الأيادي.
معرض الكتاب هذا العام، هو تعضيد لفكرة أن المعرفة هي مفتاح كل الحلول. لن ينفع الصراخ،او الإستهزاء،أو السخرية، أو الإهمال، أو الشتيمة، أو التذمر، او السلاح، في مواجهة المعرفة. المعرفة والتوق لها يبقيان هماالأقوى. لأن لا شيء يعادل نشوة العقل الذي ينفتح على مستويات غير مسبوقة ومتمددة من العلم والإطلاع.
هذا التوق الذي لا أتردد أن أقول بوضوح أنه صار توقاً شعبياً، ينبئ عن شيء مهم لكنه مختبئ في فوضى المشهد الإجتماعي العراقي.
صحيح أن الطائفية السياسية، ومن خلفها وقبلها الحرب الأهلية والمناطقية، والكراهية المزروعة عن عمد قد أخذت مداها في العقلية الجمعية العراقية. وصحيح أن الإنقسام الشعبي وصل الى مستويات خطيرة، وصحيح أن الإشاعة، والتمويه والتلاعب بالمشاعر، والضرب على الأوتار العاطفية قد استحكم كثيراً. لكن!
هناك مجال حقيقي ان يستعيد الناس ثقتهم بآراء نخبهم الإجتماعية الطبيعية اذا ما اطلعوا على الحقائق بأفضل وأكثر الطرق أمناً، وحالياً لا توجد طريقة أكثر أمناً من القراءة والمعرفة الذاتية. المعرفة التي يسعى اليها الفرد طلباً لفهم المحيط من حوله مهما كان هذا المحيط مسمماً بالفوضى والخداع.
على المستوى الشخصي، اصطحبت ابنتيَّ الى معرض بغداد للكتاب. وقبل أن ننطلق من البيت قلت لهما: ليس لدي ما أمنحه لكما سوى فرصة عادلة ومميزة في المعرفة، وحديقة الكتب هي من بين هذه الفرص، اشتروا الكتاب الذي تظنّان أنه سيزيد من معرفتكما؛ لنفترض أن لديكما عطشا معرفيا ومعلوماتياً في موضوع معيّن، وصادفكما كتاب قيّم فيه تفصيل لهذا الموضوع، فلا تترددا في شرائه.
والنتيجة كانت مفرحة بطريقة غير مسبوقة للفتاتين، لكنها بالتأكيد كانت تجربة»مُحزنة»بالنسبة لجيبي !!
لا يهم، المهم هو المعرفة، وليذهب «رأس الشهر»الى الجحيم...على الأقل في هذا الشهر.