اعمدة طريق الشعب

الاستجواب ! / د. سلام يوسف

الاستجواب لا يعني التشهير أو التسقيط ولا حتى الشخصنة، وإنما هو حالة حضارية تُمارس لأسباب وأهداف وطنية عامة فيما لو مورست بشكل دستوري، وهذا هو واجب التعامل به في الأنظمة البرلمانية الديمقراطية قولاً وفعلاً.
استجواب السيدة وزيرة الصحة الذي جرى مؤخراً في مجلس النواب، لم يكن بالمستوى الذي طالما طالب به الشعب وترقبه (لها ولغيرها من مسؤولي السلطات التنفيذية)، فملف وزارة الصحة والبيئة واحد من ملفات الفساد البشعة التي أفرزتها (محاصصتهم) التي اتفقوا وما زالوا مصرين على انتهاجها كنظام يسيّرون به البلد.
فما طرحه السيد النائب اقتصر على أمور مبتسرة، مجتزأة من عموم أداء وزارة الصحة المتلكئ، فالسلبيات أكبر بكثير مما تم عرضه أو الاستجواب عليه أو الاستفسار عنه، والواقع الصحي والبيئي المتردي والمتراجع ينذر بمخاطر حقيقية تهدد صحة المجتمع بالكامل، هذا ناهيك عن أمور وكما يقولون عنها(وما خفي كان أعظم) وأقصد تلك المتعلقة بالفساد الإداري والمالي والمحسوبية والمنسوبية ووضع الموظف غير المناسب في المكان المناسب ..الخ.
ورغم وجود مؤشرات قوية تجاه الأداء غير المقنع لهذه الوزارة الحيوية، لكن وللأسف الشديد لم تتم المطالبة باعتماد أسلوب كشف الحقائق ميدانياً من قبل لجان متخصصة وبوجود رقابة شعبية، فالرقابة الشعبية هي حق مشروع لأي شعب في العالم يوجد فيه نظام برلماني، (يفترض) أن يكون ديمقراطياً.
القضايا التي طُرحت في جلسة مجلس النواب المعنية، هي ليست كل الموضوع، بل ولا تقع في رأس القائمة بالرغم من أهميتها، فهناك أولويات كان حريا بالاستجواب أن يطرحها للمفاضلة، ومنها توفير مواد التخدير وأدوية الأورام الخبيثة وتوفير أجهزة التشخيص المتطورة وغيرها، هذا من جانب ومن جانب اخر، فهناك شبكة واسعة وكبيرة من المؤسسات والدوائر التابعة الى وزارة الصحة والبيئة، وكل مؤسسة ودائرة لا تخلو من براثن الفساد والذي ينعكس بالمجمل على الأداء الكلي للوزارة، وهذا يعني وبالملموس أن الأداء غير المُرضي لوزارة الصحة والبيئة لم يأت من فراغ أو أنه مجرد إلصاق تهم، ولو أردنا أن نعدد السلبيات الساخنة (فقط) لاحتجنا الى فصل تشريعي كامل – حسب المصطلحات البرلمانية -.
أن (لفلفة) الجبل العالي من السلبيات بهذه الطريقة، يعني تبييض وجه الفاسدين مقابل اغتصاب حق الشعب وبأيدي (نوابه !) إكراماً لعيون الكتل المتحاصصة.
ومن جهة أخرى فليس من الانصاف حقاً تحميل كل الواقع المؤلم الحالي في أداء وزارة الصحة والبيئة على عاتق جهة واحدة او كتلة واحدة، فما تعانيه الوزارة اليوم هو تراكم لأداء عدد ممن تسنموا منصب أعلى الهرم ومن ورائهم الكتل التي يمثلونها، هذا ناهيك عن فعاليات وزارة الصحة والبيئة لم ولن تكن بمعزل عن باقي نشاطات المجتمع وأداء الوزارات المسؤولة عن تلك الأنشطة وفي مقدمتها الجانب الأمني، ومسؤولية السلطات الثلاث ككل.
ان التبريرات التي شاهدناها وسمعناها لم تكن مقنعة في كشف أسباب وتداعيات السلبيات المتراكمة والمتنامية يوماً بعد يوم، فالفساد الذي ينخر في جسد الوزارة وفي مؤسساتها كافة قد استشرى وأصبح هو سيد الموقف في القرار والتنفيذ مادامت هناك سياسة واضحة بل هناك إصرار على إتباعها الاّ وهي ابعاد العناصر الوطنية النزيهة الكفوءة والمقتدرة مهنياً وإداراياً، عن موقع المسؤولية والقرار، والنتيجة تفرد الفاسدين ولهاثهم الى الاستغلال البشع لمراكزهم التي استحوذوا عليها بمباركة المحاصصة ذاتها.