اعمدة طريق الشعب

السخرية في مواجهة بؤس السياسة !/ عماد جاسم

ربما تعاظمُ الازمات يدفع بالمواطن المستلب الارادة الى ابتكار اساليب التخفيف من الضغط، بالتوجه الى صناعة السخرية او متابعة الفن الساخر كمعادل موضوعي لجحيم الخراب والاستلاب .. وفي هذا المقام لا بد من استعادة مضمون رأي الكتب المصري الراحل انيس منصور ,الذي قال فيه ان اروع انواع الفنون والمقالات والرسومات والكوميديا الساخرة ظهرت في مصر في الفترة التي اعقبت هزيمة حزيران في عام 1967 , وان كانت تلك الابداعات حملت طعم المرارة والوجع من هزيمة سبقتها احلام النصر والاكتساح المزعوم. وفي تلك الحقبة اشتهرت قصائد احمد فؤاد نجم وأغاني الشيخ امام التي تضمنت صور ساخرة تدين النظام انذاك وتستحوذ على اهتمام شرائح واسعة من المجتمع.
وما يحصل اليوم في العراق بعد ما يقرب من ثلاثة عشر عاما , من الفشل في ادارة البلاد وتصاعد العداء في التنافس السياسي وارتفاع نسب الفساد , مهد الظروف لخلق بيئة مثالية لانتشار الفنون الساخرة عبر وسائل اعلامية ومنابر اكثر تنوعا. فالمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يكتشف قدرة العراقيين على مواجهة المصائب بالضحك من خلال تعليقات ومقالات ومشاهد تدين شراهة السياسيين واستفحال نفوذ الزعامات.
لكن الملفت ايضا بروز طاقات كوميدية من الشباب في بغداد والمحافظات اخذت طريقها للشهرة عبر آليات تقليد ومحاكاة مبتكرة, وشهدت صفحاتهم عبر المواقع الالكترونية اقبالا كبيرا , بل ان الكثير من القنوات التلفزيونية باتت تتسابق للتعاقد مع تلك الطاقات الشابة التي استطاعت ان ترسم الابتسامة على وجوه العراقيين من مختلف الاعمار ..
واحدة من التعليقات المثيرة للحزن والضحك في نفس الوقت ,, ما ردده احد نجوم الكوميديا السوداء الذي قال : ان افعال السياسيين وقسوتهم خير معين ومنجم لإعمالنا الساخرة ,, وان كل سخريتنا لا يمكن ان تقارن بسخريتهم من حالنا نحن العراقيين ,, اذن فهو فضل جديد يقدمه رجال السياسة للشعب المبتلى بالخيبات عبر تصديرهم مواضيع تصلح للضحك الهستيري في كل وقت . فالقضية لا تحتاج الى اجتهاد مضني فما ان تشاهد عملية استجواب لوزير خرج منتصرا من قبة البرلمان مصاحب بزغاريد حزبه حتى ياتيك السيناريو الساخر على طبق من ذهب , وما ان تتابع خطاب زعيم سياسي يدعو الى المصالحة الوطنية ونبذ خطاب الكراهية حتى يلهمك المشهد كما هائلا من الصورة المعبرة المضحكة.
وما نراه جليا ولا يحتاج الى تفسير هو ان البيئة العراقية السياسية قادرة على صناعة السخرية وان العراقيين اليوم يتابعون بحرص مقابلات وصراعات الديكة لا لشيء سوى للتندر وتطريب الروح بالضحك المبكي!!