اعمدة طريق الشعب

الصمت المريب! / مرتضى عبد الحميد

يضرب المثل عادة بصمت القبور، على اعتبار انه (لا حس ولا نفس) من ساكنيها. ويطلق هذا الوصف على من يتجاهل امورا كبيرة وربما خطيرة، يعطيها البعض (اذن الطرشة) في حين يقيم الدنيا ولا يقعدها على امور اخرى قد تكون تافهة، لكنها تمس مصالحه، او تهدد امتيازاته وان كانت كلها او جلّها من السحت الحرام.
ما جرى في الديوانية من استهداف لمقر الشيوعيين برمانتين يدويتين، يحمل رسالة سياسية، مؤداها السعي الى تخويف الآخرين واسكات الصوت الحر، ووضع حد لمن يقول (السبع حلقه جايف) كما هو استعداد مبكر بطريقة لئيمة للانتخابات القادمة. فالمتشبث بالسلطة وإن كان فاشلاً، لا يسلم بسهولة ابداً، واكد ذلك احد «الحكماء المتنفذين».
ربما حصلت بعض الممارسات المشابهة في اكثر من محافظة، استهدفت فيها مقرات احزاب وقوى سياسية معينة، لكنها كانت متوقعة، لانها جزء من عملية الصراع الجارية على المال والنفوذ والسلطة، وفي ظل استقطاب وشحن طائفي وقومي بالغي الخطورة، وتحت مظلة فساد مالي واداري واسعين جداً. ومع ذلك فهي مدانة في جميع الاحوال.
اما بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي، فلا ناقة له ولا جمل في هذه الحرب غير المعلنة، ولم تطأ قدما اي من رفاقه او منظماته هذا المستنقع الآسن، الذي يغوص فيه الكثيرون حتى هاماتهم. ولهذا حظي الاعتداء على مقره في الديوانية، بحملة واسعة من الادانة والاستنكار، ومن التضامن مع الحزب في الداخل والخارج، من منظمات واحزاب شقيقة وشخصيات ديمقراطية واكاديمية تعرف اهمية ومغزى هذا العمل الاجرامي. ليس لأن الشيوعيين هم الاكثر نقاء ووطنية والمدافعون الحقيقيون عن مصالح الكادحين وعموم الشعب العراقي فحسب، بل لان الاعتداء ايضاً يمثل بذرة للفتنة ولأشاعة شريعة الغاب، التي ما انفك البعض مصرا على تطبيقها بحذافيرها، منتقصاً في ذات الوقت من هيبة الدولة المطالبة حصراً بالحفاظ على ارواح المواطنين وممتلكاتهم، والتصدي بحزم لمن يريد التشبه بممارسات صدام حسين، ولكل من ينتهك الدستور والقوانين النافذة.
ان توقيت العمل الجبان هذا، لم يكن مصادفة هو الآخر، ففي نفس اليوم الذي اجيز فيه الحزب واكتسب الشرعية القانونية، يهاجم نفر من «البلطجية» مقر الديوانية، متوهمين القدرة على ردع الحزب عن المشاركة في الحراك الجماهيري المتسع يوما بعد آخر، وامتعاضاً من الدور الذي ينهض به مع باقي القوى المدنية والديمقراطية في عملية الاصلاح والتغيير، التي باتت ضرورة وليست خياراً من عدة خيارات.
بيد ان ما يلفت النظر حقا ويدعو للاسف الشديد، ان بعض الاحزاب والقوى السياسية التي تدعي انها رئيسية وحتى قوى كردستانية، دع عنك السلطتين التنفيذية والتشريعية لم تنبس ببنت شفة، تجاه العدوان السافر على حزب علني ومجاز رسمياً وله تاريخ كتب في لوحة الشرف لسائر العراقيين المدافعين عن بلدهم وشعبهم.