اعمدة طريق الشعب

الطب مهنة إنسانية.. ولكن! / منعم العبيدي

العمل الصالح بيّن وواضح مثل الشمس، أما العمل الطالح، ومع كل محاولات تغطيته وإخفائه، لا بد ان تظهر عيوبه ويتوضح للناس شكله القبيح.
قبل ايام حدثني احدهم عن سلوك انساني جميل يمارسه انسان متحضر وراقٍ لا يطلب شيئاً إلا ارضاء ضميره وتقديم ما يقدر عليه إلى الناس. فقد بيّن لي ان هذا الإنسان هو طبيب فتح أبواب عيادته أمام الفقراء في منطقة سبع ابكار في بغداد، يتقاضى منهم مبلغ خمسة آلاف دينار للفرد الواحد مقابل المعاينة الصحية (الكشفية)، وانه اذا وجد المريض غير قادر على دفع هذه الخمسة آلاف، يقول له: «خليها على حسابي». كما انه يقدم لمرضاه ادوية مجانية او نماذج ادوية ودعاياتها.
وذكر محدثي انه شاهد طبيبا آخر يمتلك عيادة خاصة في منطقة الحارثية، يداوم فيها صباحا لغرض فحص المرضى من أبناء منطقتي الصدرية والنهضة والمناطق المجاورة لها، مقابل مبالغ رمزية. وقد تسنى له ان سأله عن عمل هذه العيادة وأجرة الفحص الزهيدة، فقال له ان عيادته خاصة بالفقراء وذوي الدخل المحدود، وان هؤلاء مطلوب رعايتهم والاهتمام بصحتهم. ويؤكد محدثي ان هذا الطبيب يمثل (الدختور) النموذجي والعارف بمهنته جيدا!
وفي المقابل حدثني احد اصدقائي عن طبيب له عيادة في شارع فلسطين قائلاً أنه يستلم من المستشفى الاهلي الذي يحيل اليه مرضاه ورقة خضراء (اي مائة دولار) عن المريض الواحد، كما حدثني عن طبيب آخر يستلم عمولة من احدى المستشفيات اكثر من خمسة ملايين دينار شهريا، وآخرين يستلمون من الصيدليات الأهلية التي يرسلون إليها مرضاهم، مبالغ طائلة، ومن المختبرات حصصهم، ومن الاشعة والسونار والدوبلر مستحقاتهم! ولو جمعت هذه الأموال لشكلت ارقاماً كبيرة.
وكان احد رفاقنا قد اجرى عملية جراحية في دار التمريض الخاص ورغم دفعه المبلغ المطلوب كاملاً، الا ان الطبيب المختص طالبه بمبلغ خاص لأنه اجرى العملية في مستشفى حكومي. علماً ان المستشفى كان قد استلم قيمة اجراء العملية من المريض وسلمها إلى الطبيب.
هكذا نجد في المجتمع، الطبيب الانساني الطيب الذي يسعى الى خدمة الناس والفقراء، ونجد في المقابل الذئب القاسي الذي يحمل قلباً كأنه الحجر الصوان، والذي يحول مهنة الطب الى تجارة هدفها الربح على حساب القيم والاخلاق والانسانية.
تحية للإنسانيين وذوي القيم النبيلة من ابناء مهنة الطب الغيارى، والحريصين على خدمة الفقراء والكادحين.