اعمدة طريق الشعب

البعض المتضايق! / محمد عبد الرحمن

البعض يريد ان يخلط الأوراق عمدا، مستبقا استحقاقات قادمة، خصوصا وان ما بعد داعش لن يكون مثل ما كان قبله، وارتباطا أيضا بالانتخابات المفصلية القادمة . فما هدف هذا البعض حين يثير هذه الحساسية الآن بين المدنيين والعلمانيين وانصار الإسلام السياسي؟ وهو في مسعاه هذا يجهد الى خلق حالة من التماهي بين الدين كدين وبين حركته او منظمته او حزبه السياسي .
فهل صحيح ان العلمانية او المدنية تعادي الدين، او تدعو الى الإلحاد ؟ ثمة في الامر قصد مسبق يريد ان ينقل الصراع الدائر الآن في مجتمعنا ، وهو صراع سياسي بامتياز ، الى حقول أخرى تخدم اغراضه هو وتضبب الصورة. فهو يريده صراعا في حقول الإيمان والعقيدة والأيديولوجيا، فذلك اسهل له من الرد على أسئلة تتعلق بالمسؤولية عما حل ببلدنا ، ومن قادها الى ما هي فيه، واية ضريبة يتوجب ان يدفع ؟
وفي هذا السياق نواجه خلطا آخر حين يوضع كل العلمانيين في سلة واحدة. فهذا خطأ فادح لا يختلف عن وضع الإسلام السياسي، بقضه وقضيضه، في سلة واحدة. وكما يصح الامر على الإسلاميين يصح كذلك على العلمانيين، وبالتالي فان تعميم موبقات بعض الحكام العلمانيين هو موقف متهافت لا يصمد امام المحاججة الموضوعية والعلمية. ومن يفعل ذلك هو كمن يريدنا ان نصدق ان صدام حسين وادولف هتلر لا يختلفان في شيء عن أولوف بالمه مثلا .
وعندما نقول ان العلمانية او المدنية هي من تصون الدين وتضعه في الموقع الذي يستحقه، وهي التي تتيح للجميع فرصة ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم، فمن المؤكد ان الحديث لا يدور عن الدكتاتوريين والفاشيين ، بل عن الديمقراطيين الحقيقيين.
واذ ينغمر البعض في هوس التحريض ضد المدنيين والعلمانيين، فانه ينسي كما يبدو او يتناسى ان تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وداعش لم يدعوا يوما من الأيام مناصرتهم للعلمانية او المدنية، ويتناسى أيضا ان صدام هو من اطلق حملته الإيمانية زورا وكذبا ، وهذه الجوقة ومن على شاكلتها هي التي أججت الحروب والفتن .
والغريب ان هذا البعض يناقض نفسه بين تصريح وتصريح، فمن القول ان العراق يتسع لجميع أبنائه ، الى التحريض مع سبق الإصرار على فئات وجماهير واسعة لا ترى في منهج الإسلام السياسي ما يقودها الى تحقيق ما تتطلع اليه، خصوصا وان تجربة ١٢ سنة من الحكم، ونقول هنا «من الحكم» مع سبق الإصرار، لان القرار الأول في الدولة العراقية منذ ٢٠٠٥ حتى الان كان بأيديهم، بغض النظر عما قيل ويقال عن الشراكة او المشاركة او « التطعيم « .
وبعد فان تجارب العالم الناجحة بينت ان العلاج هو في التوجه نحو إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحقة على قاعدة العدالة الاجتماعية، سواء اعجب ذلك بعض الناس ام لم يعجبهم، وسواء تضايق هذا البعض من تزايد الداعين له والمؤيدين ام لم يتضايق ؟!