اعمدة طريق الشعب

البصرة عاصمة اقتصادية.. ولكن !/ عبد السادة البصري

في سبعينات القرن الماضي ، وحينما كنت طالباً في الإعدادية أصطحبنا مدرّس الكيمياء في سفرة إلى معمل الحديد والصلب لنشاهد كيفية صناعة الحديد فانبهرنا بضخامة المعمل وشكل الحديد الذي يمرّ سائلاً أصفر ملتهباً عبر قنواتٍ ليخرجَ قضباناً بأحجام وأشكال مختلفة ، وزاد انبهارنا فخامة الصناعة هذه ، إضافة لما كنّا نسمعه عن معمل الأسمدة والممالح الجنوبية ، كما شاهدنا المعدّات الضخمة لمعمل البتروكيمياويات العملاق والذي شاء القدر أن أتعيّن موظفاً فيه بعد سفرتنا بعقدين من الزمن لأعمل في صناعة البوليمرات ( حبيبات البلاستيك )ذات الكثافة الواطئة التي وصل سعر الطن الواحد منها في التسعينات إلى أكثر من ألف دولار، ما حدا بعناصر النظام الفاشي المقبور من أصحاب القرار إلى أن يسرقوا منها الكثير بطرقهم الخاصة. هذه المعامل والشركات العملاقة الآن متوقفة عن العمل ، ونستورد الحديد وحبيبات البلاستيك من دول الجوار ، إضافة إلى توقف الأسمدة والورق والممالح وكابسات التمور لنستورد منتوجاتها أيضا !
ذكرت سفرتنا السبعينية تلك ودوران آلات هذه الشركات ونوعية إنتاجها الذي كان يضاهي المنتوج العالمي بالجودة ، وتحسّرت عليها عندما سمعت بقرار تسمية البصرة عاصمة اقتصادية!
نعم ومليون نعم إنّ البصرةَ عاصمةٌ اقتصادية وثقافية ورياضية وفنية وإبداعية منذ تمصيرها قبل مئات السنين والى يوم الناس هذا ، حيث كانت محط أنظار الناس من المشرق والمغرب ، وبوّابة العراق على العالم ، وأم الثلاثين مليون نخلة وآلاف الأنهار ، فيها تزدهر الزراعة والصناعة والتجارة ومنها تُبحرُ البواخر محمّلة بكل ما تنتجه أرضها من زرع ومصانعها من إنتاج ، منها خرج السندباد مسافراً يجوب البحار ببضاعته واليها حجّ الوافدون من الهند والسند والجزيرة والخليج وسواحل أفريقيا ليتبضعوا منها ما لذّ وطاب !
نعم البصرة عاصمة لكل شيء .. ولكن ! وألف آآآآه من هذه الــ ( لكن ) !
البصرة اليوم تفتقر لأشياء كثيرة كالخدمات وعذوبة الماء ونظافة الشوارع والأسواق وتشييد للبُنى التحتية للثقافة والصناعة وتشجيع الزراعة وحل أزمة السكن ، إضافة إلى إدامة موانئها وبناء موانئ جديدة تليق بها كعاصمة، كما علينا أن نفكر جديّاً بإعادة الحياة إلى شركاتها الصناعية العملاقة وتأسيس شركات جديدة أيضا مع خدمات ترفيهية وفنادق وغيرها !
وقبل كل هذا وذاك تطهيرها من الفاسدين والعابثين بأمنها والخارجين عن القانون وبث روح المحبّة وثقافة التسامح والألفة ونكران الذات وحب الوطن والناس لتعود البصرة تشعّ بالخير والسعادة والفرح !
البصرة .. عاصمة اقتصادية لكنها تحتاج الى وقفة والتفاتة حقيقية وتخطيطٍ عمرانيّ وعملٍ جادٍ نابع من حسٍ وطنيّ غيورٍ على كل شيءٍ فيها !!