اعمدة طريق الشعب

مؤسسة في رجل / معتز عناد غزوان

عانت السينما العراقية لأكثر من 13 عاماً من الإهمال التام والإقصاء المتعمد الذي أدى إلى زوال هذا الفن الجميل والذي اسعد الملايين على مدى عقود من الزمن. لقد كانت السينما العراقية وعلى الرغم من محدودية إنتاجها مثالا في الإبداع من حيث السيناريو والإخراج والتقنيات الفنية الأخرى، كالصوتيات والمؤثرات الضوئية وغيرها، فضلاً عن الأدوار الإنسانية الرائعة لمبدعي الشاشة السينمائية في العراق، منذ فيلم نبوخذ نصر حتى فيلم الملك غازي. فالسينما التي كانت تزخر ما بين تاريخ الملكين العراقيين غدت اليوم بعيدة البعد كله عن وزارة الثقافة، الممثل الحكومي الوحيد والمسؤول عن الفن لاسيما السينما. ولا بد من الإشارة إلى عدم اهتمام هذه الوزارة بهذا الفن بل وصل الأمر إلى غلق معظم دور السينما في بغداد والمحافظات العراقية لتصبح بعدئذ مخازن للأثاث القديم، أو محلات لتسكع المتسولين وسكنهم.
إنها بحق خسارة كبيرة وفادحة لرافد مهم من روافد الثقافة العراقية المضيئة. ولكن على الرغم من تلك الانكسارات الكبيرة في مسيرة السينما العراقية فقد سعى الفنان السينمائي العراقي اليوم إلى كسر تلك القيود التي فرضت عليه، خارجاً من نطاق المحلية متوجهاً نحو العالمية ومشاركاً ومساهماً بشكل فاعل في معظم المهرجانات السينمائية العالمية وحاصداً العديد من الجوائز لاسيما في الأفلام السينمائية القصيرة والطويلة والتي يقودها الشباب المتطلع وبحماس نحو الغد الأفضل للسينما والفن العراقي بشكل عام. وقد كان للجهود الاستثنائية التي قدمتها "شركة مدينة الفن للإنتاج السينمائي" كمؤسسة فنية سينمائية وطنية رصينة غير حكومية لدعم الفنانين والمنتجين في ميدان السينما وتحت اشراف مؤسسها الفنان د. حكمت البيضاني، فقد تجلت تلك الجهود في فتح آفاق واسعة نحو تطلعات الشباب ودعمهم بالأجهزة السمعية والبصرية التي يصعب على الفنان الشاب أن يحصل عليها.
وقد توجت تلك الجهود بإقامة المهرجان السينمائي (3 دقائق في ثلاثة أيام) للمدة ما بين 27 و30 آذار 2017، الذي شاركت فيه مجموعة من الأفلام القصيرة جدا والتي بلغ عددها أكثر من 58 فيلماً أخرجها الشباب العراقي الواعي والتواق نحو بناء فن سينمائي عراقي جديد، وببراعة قل نظيرها. فقد استقطب المهرجان وعلى مدى ثلاثة أيام جميلة العديد من مخرجي السينما العراقية من الرواد والشباب لتكون حلقة التقاء فكري وتقني وجمالي وفني في محاكاة مضامين تلك الأفلام ومناقشتها ودعمها بكل ما يسهم في تشجيع الشباب على الإبداع أكثر فأكثر، وبحضور نخبوي من الفنانين العراقيين والرواد والشباب والمهتمين بالشأن الثقافي العراقي اليوم.
وقد منحت مؤسسة مدينة الفن بشخص د. حكمت البيضاني الجوائز القيمة لمن فاز على وفق معايير فنية وتقنية وموضوعية قامت بها لجنة تحكيم متخصصة من اجل النهوض نوعياً بالفيلم العراقي المعاصر. وكان لتلك الجهود الأثر النفسي الحاضر في نفوس الشباب المتحمس للإبداع وتحفيزهم لارتقاء سلم الرقي لان السينما هي فن رقي الشعوب.