اعمدة طريق الشعب

هل هذا الصراع حقيقي ام مفتعل؟ / مرتضى عبد الحميد

كثرت في الآونة الاخيرة، التصريحات والبيانات واللافتات المرفوعة في المتنبي، وفي غيره من الشوارع والاماكن المزدحمة بالناس، والتي تشير الى امر واحد موحد، هو وجود صراع بين المتدينين والعلمانيين، او هكذا الايحاء الذي اراد اصحابها ايصاله والتبشير به.
فهل هو حقيقة ام مجرد افتعال، دعت الحاجة والظروف التي تسبق الانتخابات عادة الى نفض الغبار عنه والترويج له بشتى الوسائل؟
يستطيع الاجابة عن هذا السؤال اي مواطن يمتلك ولو شيئا بسيطا من الوعي السياسي والاجتماعي، شريطة ان يتحلى بالموضوعية والانصاف، وسيجيب بكل ثقة ويقين ان الحديث بهذه الطريقة ما هو الا ضرب من الخيال الجامح، وتوجيه للمياه في غير سواقيها.
العلمانية ببساطة هي الحياد الايجابي للدولة، ازاء الاديان والمذاهب والاثنيات التي يتكون منها المجتمع، وبالتالي لا يمكن تطبيق الشرع الشيعي او السني او المسيحي لوحده، والحل هو قانون محايد. اي ان العلمانية لا تعني سوى فصل الدين عن الدولة، وليس عن المجتمع، فالدين يمثل المقدس لدى الشعوب، اما السياسة فتتحمل الكثير من المناورة والمداورة والصفقات السياسية وغيرها، مما يسيء الى الدين اساءة بالغة، لا سيما وان هناك العديد من المسؤولين ومن يعشقون الحذلقة الكلامية، يسعون بكل امكاناتهم وطاقاتهم لتوظيف الدين ومنطلقاته السمحاء باتجاه التغطية على فسادهم ونهبهم للمال العام.
يقول رجل الدين اللبناني المعروف، السيد محسن الامين: « ان الاسلام يمكن ان يكون علمانياً، عن طريق عدم التدخل في السياسة والاغراق فيها، فالشعب هو مصدر السلطات. اما النص الديني فيبقى نصا». ويضيف « ان المؤسسة الدينية ينبغي اصلاحها لانها وسعت صلاحياتها واخذت تتدخل في كل شيء».
كما ان هناك قولاً مأثوراً لآية الله العظمى حسين الصدر يقول فيه وبالحرف الواحد « ان من يريد تسييس الدين فقد اهانه».
من ناحية اخرى ترى الماركسية في الدين ظاهرة موضوعية، وهو شكل من اشكال الوعي الاجتماعي، الى جانب اشكال الوعي الاجتماعي الاخرى، مثل (الفن، الفلسفة، العلوم.. الخ). وفي كتابه « العائلة المقدسة « هاجم ماركس بشدة الهيغيليين الشباب، الذين وضعوا الدين موضع العدو، مؤكدا على ان هذا الموقف ما هو الا محاولة لاخفاء العدو الحقيقي، العدو الطبقي، اي الرأسمالية!
الم يتضح لحد الآن، الخيط الابيض من الاسود، لكي يواصل البعض خلط الاوراق على طريقة (احمر إلك اسود إلي) ولمصلحة من اشاعة هذا الوهم؟
الصراع القائم الآن في العراق، ايها الاخوة، هو بين الفاسدين والفاشلين، والمتشبثين بكراسيهم حد الاستقتال، والذين يعترفون بحقوق الشعب لفظاً، لكنهم ينكرونها عملياً، ويتصرفون بالضد منها، بل هم يعملون المستحيل لتأبيد هذا الواقع المأساوي، وبين الغالبية العظمى من ابناء شعبنا العراقي، علمانيين وإسلاميين، ديمقراطيين وقوميين، ومستقلين، الرافعين لراية الاصلاح والتغيير، ومن اجل اعادة بناء بلدهم على اسس المحبة والتسامح والسلام، والمدنية والديمقراطية، مع كامل الاحترام للدين والمتدينين، وللشعائر والطقوس التي يجب ان يمارسها الجميع بحرية واحترام متبادل، وبكفالة الدستور، أب القوانين كلها.
لنوسّع من عقلنا ومن حبنا لشعبنا، فالوطن على كف عفريت، والحرائق تشتعل في العديد من جنباته، وان علينا جميعاً ان نكون من مطفئيها لا من مشعليها!