اعمدة طريق الشعب

ربيع الفاشية الذي طال وطول! / طه رشيد

قبل خمسين عاما غنى الفنان الراحل فريد الاطرش، اغنيته المعروفة "الربيع" وكان ذلك في الحفل الشهير الذي قدمه في القاهرة. وأثبت في حينه، في هذا الحفل بأنه عازف ماهر وخاصة في المقدمة الجميلة التي استوحى مفرداتها الموسيقية من الموسيقى الاندلسية- الإسبانية.
حينها كنت في الصف الخامس الثانوي وملتزما بتدخين سيكارة واحدة في اليوم وعند الضرورة فقط. وأهم هذه الضرورات هو تعلقي اما بابنة عمي، او بصديقة طفولتي في القرية، او ببنت الجيران ( ولم احصل منهن حتى على لمسة يد!). وكان استذكار احداهن يدفعني للتدخين.. ومن
تلك الضرورات أيضا انتظار اغنية الربيع التي يبثها تلفزيون الجمهورية العراقية اليتيم!
كنت أفكر دائما في المقطع الذي تقول فيه الأغنية :
من يوم ما فاتني وراح
شدو البلابل نواح
ولم أجد مبررا لهذا الحزن إلا بعد شهور عندما وقع انقلاب البعث في 17 تموز 1968 الذي أعاد إلى ذاكرة العراقيين المجازر التي ارتكبت بحق المثقف والفنان والأديب وغيرهم من خيرة أبناء الشعب العراقي، وكأني بهم جاؤوا لينتقموا لتجربة سوداء كالحة حاولت ان تجعل من الشتاء البارد والصيف اللاهب العراقي ربيعا!
وسرعان ما تحول مجيء البعث إلى كابوس جديد يقض مضاجع العراقيين بالاعتقال الكيفي والخطف والدهس، وفتح ابواب العراق على حافة جهنم حروب لا اول لها ولا آخر!
وبقينا ننتظر الربيع الحقيقي الذي فُتحت نافذة منه بعد السقوط المدوي لسلطة البعث. ولكن سرعان ما ادخلتنا السلطات الجديدة في نفق حرب طائفية هيأ لها البعث كل قواه من أجل جر البلاد الى ذلك النفق. وزاد الطين بلة تقاسم النفوذ بين القوى الحاكمة الجديدة مستندين على مبدأ المحاصصة المقيت الذي لم يولد سوى الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والمجتمع على حد سواء.
فمتى يأتي الربيع لينعم الشعب بنسائمه؟!
هذا الربيع الذي نقصده لا يمكن ان يأتي ما لم تتهيأ الظروف المناخية - المجتمعية له. وهذا يتطلب تكاتف كل ابناء الشعب، اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير، ازاء مجموعة من القضايا الملحة لكي لا تعود نفس الوجوه لتتحكم مجددا بالبلاد والعباد.
انه التغيير الجاد لقانون الانتخابات ومجلس مفوضيتها، والوقوف بوجه مبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية، والدعوة لكشف كل ملفات الفساد والفاسدين في كل القضايا، بدءاً بـ تردي الخدمات وليس انتهاءً بـ سقوط الموصل!