اعمدة طريق الشعب

لعبة خطرة يجب ان تتوقف !/ محمد عبد الرحمن

في كل يوم يمر على بلدنا المبتلي بالفاسدين والمرتشين والفاشلين ، وبأزمة الكهرباء في عز الصيف اللاهب ، وبشح الماء بفعل عوامل عدة منها جحود الجيران ، وبالذات تركيا وايران ، تتكرر حوادث وظواهر تبدو متفرقة عابرة وفردية ، فيما هي في حقيقتها مترابطة تصب سوية في المزيد من قضم هامش الحريات، ومن مصادرة التعددية السياسية والفكرية والعقائدية والقومية والدينية والمذهبية ، ومن السعي الى فرض اللون الواحد والرأي الواحد وتنميط حياة الناس ، والمزيد من بهدلة الدولة .
ولم يعد في الإمكان التغطية على هذا التوجه لدى بعض الأحزاب والكتل والتجمعات السياسية المتنفذة، سواء بحكم مواقعها ونفوذها في السلطة او لجوئها الى الدين للتمويه على تنفيذ اهداف سياسية لها ، ام بحكم امتلاكها التشكيلات المسلحة ، النظامية وغير النظامية ، التي نسمع بين الفينة والأخرى من يهدد بها . ومن ذلك مثلا ما جرى ويجري في البصرة. ومنه ايضا فرض مهام جديدة أمنية للحشد الشعبي، غير تلك التي قام الحشد من اجلها وقدم المتطوعون تضحيات غالية في سبيلها. كذلك إضعاف هيبة الدولة عبر مصادرة القانون، مثلما يجري في عمليات الخطف والتهديد به ، وفي ارتكاب حتى جريمة القتل كما حصل مع الشاب المسرحي كرار نوشي ، وقبلها في اختطاف الشبان السبعة ، ثم اخيرا توقيف شيوعيين لمجرد انهم يوزعون جريدة «طريق الشعب» في العمارة! فيما نشهد سعيا محموما وهادفا الى مد كلمة « المقدس « الى مزيد من الاشياء في حياتنا وبالتالي إضفاء العصمة عليها ، فلا يعود يمكن انتقادها ولا مجرد توجيه ملاحظة بسيطة بشأنها! والويل والثبور لمن يتجرأ على انتقاد المعصوم ، المعصوم الجديد المفروض وليس المتعارف عليه منذ قرون ؟! فيما القضية تكمن ببساطة في واقع ان من يدخل عالم السياسية ، بما فيه من احتمالات الخطأ والصواب ، يجعله عرضة للنقد والتصويب المشروعين.
والامر الملفت عند هذا البعض هو عدم اكتراثه ، بخلاف ما يدعيه ، بالتعددية القومية والدينية في المجتمع ، وهو شاء ام ابى يتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية عن الأخاديد التي حفرت ، والتي يتمادى في تعميقها ، الامر الذي وضع وحدة العراق على كف عفريت ، بل وجعله يبدو وكأنه مقسم فعليا وموحد شكليا. والأمثلة كثيرة على ذلك من الامس القريب والحاضر الراهن. أفلم يصرح احدهم ، مثلا ، بطرد الكرد الفيليين من بغداد ؟! وهو ما يذكرنا بما حصل فعلا في نيسان ١٩٨٠ على ايدي اجهزة الطاغية المقبور!
ورغم كل الضجيج الإعلامي للتورية والتغطية على حقيقة المواقف، فان الأفعال تكشف المستور وتفضح حتى النوايا والخطط والمشاريع المخبأة بعناية. وهي في ملخصها تسعى الى وضع الجميع في قالب واحد فولاذي محكم ، ولا بأس في وجود ثقوب محسوبة ومحدودة ومتحكم فيها جيدا .
انها لعبة مكشوفة ، ولم يعد الامر يحتاج الى كثير جهد لتبيّن حقيقة المواقف والافعال ، خصوصا وقد مرت ١٤ سنة جرب فيها حتى المجرب .
لكن الامر المهم هو ان لا تستمر هذه اللعبة الخطرة ، بل يتوجب ان تتوقف او توقف. ففي استمرارها هلاك وضياع لكل شيء ، وبضمنه مصالح من يصرون حتى الان على تحويل الخطأ الى خطيئة لا تغتفر !
نعم انه صراع مرير هذا الذي يجري ، ما بطن منه وما ظهر ، والحذر كل الحذر من ان تنزلق الأمور الى نقطة اللاعودة. وللحيلولة دون هذا لا بد من أوسع اصطفاف وطني ، يشمل بالطبع المعتدلين والمتنورين من الإسلاميين ، ويهدف الى فتح فضاء اخر ارحب ، يوفر افقا لحل أزمات البلد في ظل توازن جديد للقوى. ويبقى الرهان في ذلك على الناس وعلى إدراكها لمصالحها قبل فوات الأوان