اعمدة طريق الشعب

استثمار من نوع آخر / قيس قاسم العجرش

كل إضافة يُضيفها صاحب الدار على مبنى داره سترفع من قيمتها عادة. خاصة إذا كانت هذه الإضافات جوهرية، كأن يبني طابقاً إضافياً، أو أن يوسّع الدار، أو أن يُرممها.
البلدان مثل الدور السكنية، لها حرماتها، وأهميتها، وينتمي اليها الناس، ولها قيمتها أيضاً. إلّا أن(ترميم!) الأوطان لا يشابه بالضرورة ترميم الدور والجُدران.
ممكن طبعاً أن نضيف بُنىً تحتية لبلدنا، ممكن أن نرتقي بزراعتها وصناعتها فيصبح بلداً ذا قيمة أعلى، لأنه يوفر مستوى أعلى من الكرامة لأبنائه، وبالتأكيد أفضل أنواع الكرامة تلك هي التي يصنعها الناس لأنفسهم.
لكن الصناعة والزراعة والتقدم الحضري والتكنولوجي(كل هذه العناوين التي صادفنا الحظ السيء فيها!)، تحتاج أولاً الى قيادة علمية واعية وطنية، تنظر الى الأفراد كمواطنين وليس كأتباع مصنفين وفق المذاهب والأعراق وألوان الوجوه.
ولهذا، لم يكن حظنا عظيماً في أن (نرفع) من قيمة وطننا بهذه الطريقة، وتم تسجيل فشل بائن في هذا المجال. والسبب هو أن الناس أوكلت مهام إدارة هذا البناء والتعمير والتطوير لأناس غير أكفّاء. (معقولة؟).
نعم(معقولة)، لأن اختيار القادة لم يأت وفقاً لخططهم الإعمارية، وإنما كان الإختيار وفقاً للموالاة الطائفية أو العرقية أو الدينية.
الأمر ليس أكثر من هذه السهولة، ولا يحتاج الى هذر فلسفي و(رطائن) معلّقة حتى نشرح للناس حقيقة سوء الإختيار.
لكن القدر كان يخبئ لنا فرصة أخرى كي نرفع من قيمة وطننا، ففي ظلمة السوء والفساد والتراجع، تمكنت عصابة إرهابية بشعة من قضم مساحة هائلة من الوطن، واختطفت سكان محافظات كاملة، وشوّهت التاريخ والحاضر والضمائر.
لكن موجة شبابية حرّة وحقيقية، تمتاز بشجاعة نادرة، تمكنت من صدّ هذا الإرهاب، واستعادت مكانة الوطن وكرامته التي هدرت على يد الفاسدين(كانوا جبناء أيضاً فوق فسادهم).
يعني عملياً، تمكّن الشباب المقاتل في القوات المسلحة من (رفع قيمة) الوطن مجدداً، وجعله مكاناً كريماً عزيزاً يُلملم أطراف الكبرياء لأهله.
الثمن الذي بذلوه كان على سعرين؛ كيلٌ بالأرواح، وكيلٌ بالدّم. والإثنان لا مكيال لهما بباقي الموجودات على وجه الأرض.
الآن، نحن كـ(مواطنين عاديين) أمامنا خياران؛ إمّا أن نحافظ على الوطن الذي دفع به هذا الثمن، أو أن نعود الى(ترخيص) سعر وطننا مرّة أخرى لنعود به الى سعر الطائفيين، والفاسدين. الإختيار لنا حصراً. وصار شكل الوطن وقيمته يعتمد كلّياً على اختيارنا، إما مع الأبطال الذين بذلوا دماً وأرواحاً، أو أن ننتكس الى الطائفيين الذين قدموا لنا أحسن ما عندهم وهو الفساد!.