اعمدة طريق الشعب

مصانع عملاقة بلا كهرباء! / عبد السادة البصري

في طفولتنا كنّا نقضي أوقات القيظ بين النخيل والسواقي، حيث قريتنا التي تغفو على ضفاف الشط وبين الأنهار تواجه الحرَّ بتبريدٍ ذاتي ، وقد يتساءل البعض عن التبريد الذاتي؟!
في قريتنا الجنوبية تلك ــ جنوب الفاو ــ كنّا نعمل من الشوك وأكياس الجنفاص والحلفاء وجريد النخل قوالب نسدّ بها الشبابيك ونبللها بالماء ليمرَّ الهواء منها بارداً إلينا، كما كنّا نقضي بعض الوقت نسبح في شط العرب أو الأنهار القريبة من بيوتنا. كانت تمرُّ علينا أيام وليالٍ ترتفع فيها درجات الحرارة والرطوبة بشكل عالٍ، حيث يسمّيها أهلنا بأم الترطيب ( المرطبانية ) وهي التي يصير فيها الخلال ــ ثمر النخيل ــ رطباً ، بعد ذلك أيام الدبس ( عصّارة التمر ) حيث يجمع التمر بعد القصاص والطوش في أحواض كبيرة تسمى مدابس، ويغطى بالسعف ليبدأ استخراج الدبس ذاتياً نتيجة حرارة الشمس القوية وارتفاع الرطوبة. برغم الحر الشديد والرطوبة العالية كنا نقضي أجمل وأسعد الأوقات ولم نشعر بشدتها أبداً. وكانت معامل الدبس ومكابس التمور ( الجراديغ ) تعمل بصورة جيدة وتصدّر بضاعتها الى الخارج، وكانت التمور العراقية والدبس (عسل التمر ) من أفضل الأنواع المصدّرة الى دول العالم !
استرجعت تلك الأيام وأنا أعيش وأسمع وأقرأ عن شركات ومصانع عملاقة توقفت آلاتها عن العمل لأسباب كثيرة أولها الكهرباء، إذ نواجه انقطاعها المستمر لفترة، والمبرمج لفترات، في البيوت والأسواق والدوائر الحكومية، وأخيراً في الشركات العملاقة هذه ؟!
ـــ هل يُعقَل أنّ شركة الصناعات البتروكيمياوية تعاني من انقطاع الكهرباء لساعتين صباحا ومثلهما مساءً ؟! وهي التي تحتوي على وحدات كبيرة لإنتاج الكهرباء لكنها متوقفة حاليا .
ـــ وهل يُعقَل أنّ شركات مثل الأسمدة والإسمنت والورق والحديد والصلب والسكر وغيرها تعاني من الانقطاع المتكرر للكهرباء ومتوقفة عن العمل أيضا ؟!
ـــ وهل يُعقل أن تظلّ هذه الشركات متوقفةً عن العمل لسنواتٍ وهي التي تدعم الاقتصاد الوطني وتقويه بإنتاجها ؟!
لهذا إذا أردنا أن نبني بلداً متطوراً علينا أن نعمل بجدّ وإخلاص وانتماء حقيقي لإعادة الحياة الى هذه الشركات ومصانعها، وأولها تحسين الكهرباء وحل أزمتها بشتى الوسائل، وهي التي صرفت عليها المليارات منذ 2003 والى يوم الناس هذا.
علينا أن نكون حقيقيين ونشعر بعظم المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقنا تجاه الناس والوطن، ونعمل على إنهاء كل الأزمات، وكشف الفاسدين وفضحهم ومحاسبتهم بأي شكل من الأشكال، لأنهم خرّبوا كل شيء في هذا البلد. ومن غير المعقول أن الناس تموت من شدة الحر والأمراض والخراب والحرمان وهم يتنعمون بفسادهم يوما بعد آخر!