اعمدة طريق الشعب

للنصر آباء عدة / مرتضى عبد الحميد

قد يكون من البطر، طرح السؤال التالي: من حرر الموصل؟ لان جوابه يدخل في عداد البديهيات.
لكن المبرر لهذا السؤال، أن البعض ممن رفع عقيرته بالصراخ دون خجل أو وجل، حين احتلت «داعش» ثلث الأراضي العراقية مطالباً بعدم التصدي لها والتسليم بالأمر الواقع، لان الحرب معها (حسب تعبيره) ستكلف العراق ثمنا باهضاً مادياً وبشرياً.
الان وقد تحررت 90 في المائة من محافظاتنا ومدننا العزيزة، أصيب هؤلاء وكما هو متوقع بخيبة أمل كبيرة، ولوّن الحزن وجوههم الكالحة، مدعين بصلافة، أن الأمريكان هم الذين حرروا الموصل وبقية المدن العراقية، متجاهلين عمداً قواتنا البطلة من جيش وشرطة وبيشمركة ومتطوعين في الحشدين الشعبي والعشائري، الذين حرروها من دنس «داعش» بشجاعتهم ودماء شهدائهم الزكية، ووقوف الغالبية العظمى من شعبنا العراقي خلفهم دعماً، وإسناداً وإمدادا بخيرة أبنائه.
وعلى الطرف الآخر تسمع أيضاً، مبالغات لا نصيب لها من الصحة، بدور بعض القوى العسكرية او شبه العسكرية، على حساب الدور البطولي لجهاز مكافحة الإرهاب الذي كان رأس الرمح في قتال «داعش» وتحرير المدن المحتلة مع بقية القطعات العسكرية في الجيش والشرطة، الذين قدموا تضحيات جسيمة ستظل موضع احترام وفخر العراقيين، ودون الانتقاص من الدور المشرف الذي نهضت به هذه القوى الساندة، لكن هذا الدور يظل دورا مساعداً، رغم التضحيات والجهود الكبيرة التي بذلتها في هذه المعركة المقدسة.
ولا بد من التنبيه إلى عدم أحقية وصحة المطالبة بدور سياسي أكبر في السلطة، تعويضاً عن هذه التضحيات الغالية، لان ذلك من شأنه أن يزيد الطين بلّة، ويضيف محاصصة جديدة إلى ما هو موجود حالياً، فضلا عن أن العسكريين لا يحق لهم الترشيح في الانتخابات وهو ما نص عليه الدستور العراقي.
وهناك أطراف عديدة أخرى، كل منها يدعي أنه هو لا غيره من حرر الموصل، والمفارقة إن بعضهم لا علاقة لهم بالتحرير إلا في حدود ضيقة جداً، كالنقل أو التجارة أو الإعلام، رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى بعض الفضائيات ووسائل الإعلام، التي كانت تغطيتها للحرب ضد «داعش» وتحرير مدننا من شرورها دون المستوى بكثير.
لو قيل أنها ساهمت في عملية التحرير، كما ساهمت بقية مؤسسات الدولة حتى المدنية منها، لكان الأمر مقبولا واستحقت الشكر على ذلك، أما أن يدعي الجميع أنهم انفردوا بتحرير الموصل وأطرافها، دون ذكر أو أبراز دور الأبطال الذين حرروها فعلا، فهو أدعاء يريد التحليق بأجنحة مستعارة، وليس من الإنصاف و الشعور بالمسؤولية التبشير به، وان كان هاجس هؤلاء المبشرين المثل المعروف «للنصر آباء عدة، أما الهزيمة فيتيمة».
كفى مبالغات، وإدعاءات لا تغني ولا تسمن من جوع، وليأخذ كل ذي حق حقه، فخدمة الوطن والمواطن والتضحية في سبيلهما هو واجب كل أنسان شريف، يتحلى بالنزاهة، والوطنية وحب الآخرين.