اعمدة طريق الشعب

ماذا أعددنا لما بعد «داعش»؟ / مرتضى عبد الحميد

يجمع السياسيون العراقيون، مهما كانت هوياتهم الفرعية وهي البوصلة لاغلبهم، على أن مرحلة ما بعد «داعش» تختلف أو ينبغي لها أن تختلف عما قبل «داعش»، لان مياهاً كثيرة جرت من تحت الجسر كما يقول المثل، وبالتالي سيكون التعامل بموضوعية وجدية مع المستجدات السياسية والاقتصادية – الاجتماعية والأمنية ضرورة لا غنى عنها وكذلك لقطع الطريق على ظهور «داعش» جديدة، قد تكون بمسمى آخر.
الان وقد حققت قواتنا البطلة من جيش وشرطة وقوى ساندة لها، نصراً عسكريا رائعاً على هذا التنظيم الإرهابي، يرى الجميع أيضاً، أن هذه الانتصار غير كافٍ لوحده، ويجب أن يستكمل بإصلاح سياسي يبدأ بتغيير المنظومة الانتخابية، سواء ما تعلق منها بالمفوضية «اللامستقلة»، أو قانون الانتخابات الجائرالى حد اللعنة كما يشمل كل مؤسسات الدولة صغيرها وكبيرها، بالتخلص مرة والى الأبد من «الأيدز السياسي» ونعني به المحاصصة الطائفية والقومية، التي لا يختلف اثنان حتى من الغارقين في وحلها إلى أعناقهم، على أنها السبب الذي لا يدانيه أو يقترب منه سبب آخر في خراب بلدنا الجميل، وبؤس شعبنا الصابر على المكاره ولو الى حين.
مشاكل العراق الأخرى، لا تقل خطورة وصعوبة عن هذا البلاء، رغم أنها فروع من هذه الشجرة الخبيثة تضخمت لتنافس الشجرة الأم، فالفساد المالي والإداري والسياسي، يأخذ بتلابيب العراقيين أينما توجهوا، وأفرغ خزينة بلدهم من آخر دولار أو دينار فيها، كما أن الميول التقسيمية والانفصالية، قد انتعشت بشكل لا مثيل له، بذريعة أن الحوارات قد وصلت الى طريق مسدود، وهي في حقيقتها لا تخلو من نزعة الهروب الى أمام، ومن طموحات شخصية أيضاً.
ولعل ما يشكو منه المواطن قبل كل شيء هو تدني المستوى المعيشي لملايين العراقيين، وغياب الخدمات لا سيما الماء والكهرباء في صيف تجري فيه «جنرال بروفة» لنار جهنم على الأرض العراقية، والانكى أن وزارة الكهرباء التي ضربت مثلا «رفيع المستوى» في الفشل الذريع لتخفيف محنة العراقيين، تتجه بخطى متسارعة لخصخصة الكهرباء، وزيادة معاناتهم إلى مديات غير مسبوقة.
إن إعادة ملايين النازحين إلى مدنهم ومساكنهم وحفظ كرامتهم، تأتي في مقدمة المهام التي يجب وضع الحلول السريعة لها، فضلا عن ملايين أخرى من الأرامل والأمهات الثكالى واليتامى والمعوقين.
فهل استعدت الكتل المتنفذة لمثل هذا الاستحقاق؟ أم أنها مازالت سادرة عينها، ولا نية لها في إنقاذ سفينة العراق من الأمواج المتلاطمة التي تمخر فيها منذ سقوط الدكتاتورية ولحد الان.
إن إيقاف الصراعات العبثية الجارية بين الفرقاء السياسيين، والابتعاد عن لغة التخوين والتسقيط السياسي والطائفي، واستعادة الثقة المفقودة فيما بينهم تحتل أهمية استثنائية في الظرف الراهن ولا بد لها أن تقترن بمصالحة وطنية ومجتمعية حقيقية، تستند إلى برنامج سياسي واضح كل الوضوح، ومشاركة فعلية لكل من يؤمن بمبدأ المواطنة، وبالديمقراطية منهجا وسلوكاً، وصولاً إلى الدولة المدنية الديمقراطية، ذات البعد الاجتماعي، والتي بدونها، لا تقوم للعراق قائمة.