اعمدة طريق الشعب

مترو بغداد بين التصميم الفرنسي والاستثمار / إبراهيم المشهداني

شوارع بغداد المكتظة بملايين السيارات، والبيئة الاشد خطرا على حياة الناس بفعل عوادم السيارات التي تنفث سمومها الهيدروكربونية القاتلة التي تنشر الامراض بين المواطنين, وتزايد عدد سكان العاصمة الذي يربو على سبعة ملايين نسمة وقد يتضاعف هذا العدد في السنوات العشر القادمة اذا استمر معدل النمو السكاني الذي يقترب من 3 في المائة، وهي اعلى نسبة في العالم مما يضع الحكومة العراقية امام مشكلة خطيرة غير قابلة للانتظار لها بدايات ولكن نهاياتها تظل مفتوحة الى اجل غير مسمى ما لم تظهر الحكومة اهتماما حقيقيا في ايجاد مخارج ملموسة لمشروع مترو بغداد.
والتحدي الاكبر لتنفيذ هذا المشروع الحضاري من بين العديد من التحديات تتمثل في غياب الارادة الحكومية وجدية الاطراف المسؤولة عن التنفيذ المباشر وفي المقدمة منها امانة بغداد، فان الخطوات الاولى لمشروع المترو بدأت في عام 1981 ووقتها كان الوضع الاقتصادي والمالي يسمح بوضع التصاميم التي وضعتها الشركات الفرنسية وقتذاك الا ان الاستمرار في الحرب وتكاليفها الباهظة والحصار الاقتصادي حال دون تنفيذ هذا المشروع الحيوي وظل في دهاليز امانة بغداد لأكثر من عقدين، لكن الاخيرة اعلنت في عام 2007 اعادة النظر في تفعيل هذا المشروع واكدت حينها ان هذه السنة ستكون سنة تنفيذ المشروع وتكرر الحديث عنه في عام 2008 لتعلن عن خطط لتنفيذ المشروع بكلفة مليار دولار لكن يبدو ان كلفته هذه هي نفس كلفة عام 1981 بدون حساب للمتغيرات التي طرأت على مدى ثلاثة عقود من حيث الكلفة واختلاف التعديلات على التصاميم التي فرضتها الظروف الجديدة ومستويات الاسعار على المستوى العالمي. وفي نيسان من عام 2013 عادت الامانة لتخرج ملف المشروع من ادراجها لتعلن ان شركة سيسترا الفرنسية قد باشرت تطوير التصاميم القديمة لتقفز الكلفة التخمينية الى 7,5 مليار دولار، وبغض النظر عن هذه التقديرات المبالغ فيها فان الوضع المالي كان ملائما لتفعيل المشروع فضلا عن الوضع الامني وفي تلك المرحلة لو بدأ التنفيذ لكان البغداديون في اتم السعادة لتكتحل عيونهم في عام 2018 بمشاهدة صرح حضاري عملاق. لكن الارادة السياسية غابت مرة اخرى بسبب حسابات السياسيين للربح والخسارة التي غالبا ما تكون هذه الحسابات على الطاولة عند إقرار المشاريع، ليعود المشروع في ادراج الامانة مرة اخرى.
ولكن على الرغم من هذه الخيبات المتكررة فان فكرة المشروع ما زالت تحتفظ بحيويتها بسبب تفاقم الازمة المرورية التي تتحول مع الوقت الى ازمة اجتماعية عامة في العاصمة خاصة وان المشروع سيأتي بالنفع لكافة الشرائح الاجتماعية في بغداد ليشمل مناطق الصدر والاعظمية والمنصور والكرادة والوشاش والبياع.
واليوم تتوجه الانظار الى ما سيسفر عنه اللقاء الذي جرى بين امينة بغداد والسفير البريطاني بحضور رئيس هيئة الاستثمار وهيئة المستشارين لبحث سبل التعاون الثنائي وتنفيذ مشروع المترو بعد اكمال شركة سيسترا الفرنسية الاستشارية الهندسية جميع التصاميم والمتطلبات الخاصة ومن ثم البحث في آلية تنفيذ المشروع بأسلوب الاستثمار، ونعتقد انه للوصول بالمشروع الى نهايته المنطقية من المستحسن دعوة مجموعة من الشركات العالمية العريقة في مثل هذه المشاريع وهي نفس الشركات التي سبق وان تقدمت بطلبات التنفيذ وهي شركات نمساوية والمانية وفرنسية وامريكية وروسية وكورية بالإضافة الى الشركات البريطانية مع الاخذ ينظر الاعتبار الافضلية للدولة المعطاء في اعادة تعمير المدن التي خربها الارهابيون.
ونعتقد ايضا ان تنفيذ هذا المشروع على اهميته الاستراتيجية ودوره الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، الا انه ليس كافيا ما لم تتخذ الحكومة اجراءات اخرى ومنها وضع استراتيجية استيرادية تحد من التدفق العشوائي في استيراد السيارات فضلا عن الحد من التوسع السكني العشوائي من خلال الحد من الهجرة الى العاصمة بغداد بالإضافة الى الاولوية في المفاضلة بين المشاريع التي تؤدي نفس الهدف كمشروع القطار المعلق مثلا