اعمدة طريق الشعب

الأكثر ضرراً / قيس قاسم العجرش

الموازنات العامّة السنوية للدولة تصدر دائماً بقانون خاص. وكل نسخة من هذه القوانين فيها تخصيصات و»توقعات» لعوائد المفترضة، بالإضافة الى تعليمات التنفيذ. وكل نسخة من هذه موازنات على امتداد عمر الدولة العراقية الشائك بعد عام 2003 كانت تحمل افتراضاً هدفاً دستورياً يتمثّل بتعويض الأماكن الأكثر تضرراً. أو هكذا تقول نصوص تلك القوانين على الأقل.
الآن، ومع اقتراب موعد اقرار الموازنة القادمة ستجد الحكومة نفسها أمام امتحان عسير وورطة كبرى اسمها إعمار المحافظات المحررة من سيطرة داعش. لن يكون هناك من الأموال ما يكفي لسد متطلبات الانفاق الحكومي، وفي نفس الوقت سد متطلبات الاعمار الأساسية الضرورية في هذه المحافظات وجعلها مكاناً معقولاً لعودة النازحين (وهم تعدادهم بالملايين).
ربما سيكون هناك جهد دولي يجمع بعض المبالغ من أجل الاعمار، لكن التجربة العراقية تُميّز دائماً بين»تعهد»الدول بدفع المساهمات وبين»حقيقة «ما يخرج من جيوبهم حين يأتي موعد الدفع. يعني الكثير من ممثلي تلك الدول ليسوا أكثر من «أسطوات» في التعهدات، لكن حين يكون مطلوباً منهم الدفع فإنهم غالباً ما يتنصّلون من التزاماتهم. ولنا هنا أن نحسب عدد المؤتمرات الدولية الصاخبة التي استضافت مؤتمرات الدفع الكلامي هذه.
المهم أن هناك ثقباً أسوداً سيستنزف الموازنة أسمه إعمار المناطق المحررة، وهو ثقب يمكن أن تضيع فيه مليارات كاملة، طالما لم تكن هناك حلول جذرية لترشيد الإنفاق الحكومي، أو معالجة بالوعات الفساد التي يتحدث عنها الجميع ثم تتحول الى خانة ملاحقة المسؤولين «الفضائيين «الذين لا يمكن الإمساك بهم.
المناطق المحررة أولوية وطنية بالتأكيد، وإعادة النازحين هدف سيحقق الاستقرار الأمني والسياسي، ثم ستكون هناك الانتخابات التي من أجل أن تجري في موعدها يجب بالفعل إعادة أكبر قدر ممكن من النازحين الى ديارهم. وهو الأمر الذي ستحرص عليه الدول الراعية للعملية السياسية في العراق ومن بينها الولايات المتحدة(كراعٍ رسمي دائمي)، وإيران والسعودية(كرعاةٍ بأجور يومية!).
ووسط هذا الزحام على تحقيق الأهداف السياسية بأدوات اقتصادية، سيضيع أي اهتمام بفهم كلمة «الأكثر تضرراً» التي ترد في نصوص الموازنات كل عام.
هنا أتساءل: هل هناك من ضرر أكبر من تشخيص محافظة ما، ولعدّة سنوات متتالية، على أنها المحافظة الأكثر فقراً في العراق؟ كيف يكون الضرر برأيكم؟
إنها محافظة المثنّى، التي يبدو أن حصّتها من الاقتصاد الوطني والاهتمام هي فقط أن تدفع بأبنائها شهداء لتحرير الأرض.